رصد تقرير أعدته" أطاك المغرب" حول بعض مجريات الدورة 13 للمنتدى الاجتماعي العالمي المنعقد بتونس من 24 إلى 28 مارس 2015 وبعض الأجندات النضالية الرئيسية، عددا من الانحرافات عن روح المنتدى و تجند مجموعة من المغرب تقوم بأدوار كبيرة لتحريف المنتديات الاجتماعية عن روحها النضالي والمناهض للنيو-ليبرالية والرأسمالية.
فقد استحوذت، يقول التقرير، على مبادرات المنتدى الاجتماعي المغربي والمغاربي والمنتديات الموضوعاتية محليا وإقليميا وجعلت منها مجرد لقاءات نخبوية باذخة تنظم في الفنادق الفخمة، وتستعملها كأداة تساهم في تبرير السياسات الليبرالية واحتواء ردود فعل ضحاياها وتمويه الاستبداد. وكبرت سطوتها أيضا في المجلس الدولي للمنتدى الاجتماعي العالمي وتسعى جاهدة لتسير به في نفس الاتجاه بمعية آخرين من نفس الطينة. وهذا ما يسمح لها بالحصول على تمويلات كبيرة من قبل الحكومات والمؤسسات الكبرى، مما يفتح الباب لتحريف المنتدى نحو خدمة أعداء الحركات الاجتماعية والشعوب. وطبعا يحرص هؤلاء المشرفون المباشرون على تفادي نقاش مسألة تمويل المنتدى الاجتماعي العالمي ويدبرونها في حلقة ضيقة من أنصارهم القريبين.
مشاركة ضعيفة
و انعقدت الدورة 13 للمنتدى الاجتماعي العالمي بتونس من 24 إلى 28 مارس 2014. قدر عدد الأنشطة بــ 1200 نشاط، وسجلت حوالي 4500 منظمة قادمة من 121 بلدا. أما عدد المشاركين فقد قدره المنظمون ما بين 45 ألف و50 ألف مشارك-ة. وهو رقم مبالغ فيه نسبيا حيث أن العدد الحقيقي للمشاركين وفق التقديرات الموضوعية يتراوح ما بين 25 ألف و30 ألف. ضعف المشاركة تجلى أيضا بشكل كبير في مسيرة الاختتام يوم 30 مارس تضامنا مع الشعب الفلسطيني. وعلى أي، فالمشاركة في هذه الدورة ضعيفة مقارنة مع الدورة 12 في سنة 2013 بتونس التي بلغ العدد فيها ما بين 60 ألف و70 ألف. وهي إنما تعكس تراجع الدينامية النضالية التي أحدثتها الانتفاضات الشعبية في المنطقة المغاربية والشرق الأوسط بدءا بالثورة التونسية في يناير 2011. كما تعكس تراجع الحركات الاجتماعية المناضلة على المستوى العالمي في سياق احتداد الأزمة الرأسمالية وهجوم الحكومات والأنظمة على مكاسب الأجراء والفئات الشعبية. وهو ما فتح المجال للتيار الليبرالي لتقوية هيمنته على مسار المنتدى الاجتماعي العالمي والدفع نحو استنفاذ طاقته التعبوية. ومن بين مكوناته الرئيسية توجد
انحرافات عن روح ميثاق المنتدى الاجتماعي العالمي
و رصد التقرير أنه منذ البداية، حاول المنظمون توظيف المنتدى الاجتماعي العالمي في خدمة "الحملة ضد الإرهاب" التي تستعملها الحكومات والأنظمة لتقوية استبدادها وتجريم الحركات الاحتجاجية المناضلة، وتحويل مسيرة الافتتاح إلى مسيرة فقط ضد الإرهاب في سياق التفجير الإرهابي لمتحف باردو بتونس يوم 18 مارس والذي أودى بحياة 20 سائحاً أجنبياً وثلاثة تونسيين. وعارضت بعض المنظمات والشبكات هذا التوظيف الفج وأصدرت بيانا ضده وتعبأت لجمع التوقيعات والدفاع عن ضرورة الحفاظ على استقلالية المنتدى الاجتماعي عن أجندة أسياد العالم الامبرياليين الذين ينشرون الإرهاب والعنف والحروب ويستعبدون شعوب الكوكب ويدمرون بيئته. واتسمت الدينامية السائدة داخل المنتدى الاجتماعي بتونس هذه السنة بهيمنة منظمات ما يسمى بالمجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية التي تسعى إلى إصلاح أعطاب الرأسمالية وحصر مقاومات المتضررين في برامج ترقيعية لحالهم الاجتماعي المتردي. كما شارك في أنشطته مدافعون عن المؤسسات المالية والتجارية الدولية ومقاولون وأيضا إسلاميون يوزعون بكثافة المنشورات الإسلامية ذات جودة عالية. وهذا ينم عن مصادر تمويل كبير من قبل دول ترعى الحركات الإسلامية المتزمتة والقروسطوية. وكانت هناك خيمة لجماعة العدل والإحسان المغربية تعرض فيها أدبها وتفتح نقاشات حول برنامجها السياسي. وهذا ما يتعارض مع ميثاق المنتدى بعدم مشاركة الأحزاب علاوة على أن هذه الجماعة رجعية في قضايا رئيسية كالديمقراطية الشعبية وتحرر المرأة والنضال ضد الرأسمالية والإمبريالية، إلخ. وعلى عادتها، حرصت الدولة المغربية على إرسال وفد رسمي كبير لا تهمه مواضيع المنتدى بقدر ما يتربص الفرص لزرع البلبلة والتشويش على اللقاءات التقاطعية وحملات التضامن جاعلا من قضية الصحراء حصان طروادته. وينطبق نفس الشيء على الوفد الرسمي الجزائري الذي فاق 1000 مشارك، عملوا على خلق أجواء الاستفزاز وحتى الضرب أحيانا خصوصا عندما يحتكون مع الوفد الرسمي المغربي في أنشطة كادوا أن يفشلوها.
هذه الانزلاقات الخطيرة عن روح المنتدى الاجتماعي العالمي الذي كرسه ميثاق بورتو أليغري فاقمه سوء التنظيم وضعف الترجمة بل وغيابها في عديد من الأنشطة التي هيمنت عليها اللغات الأجنبية خاصة الفرنسية والانجليزية. وهو ما زاد من صعوبة التواصل والتنسيق الفعال. فقد قاطعت شبكة بابل Babel العالمية للمترجمين المتطوعين التي كانت تقوم بعمل احترافي جيد المنتدى الاجتماعي هذه السنة محتجة على المنظمين الذين أرادو أن يعيدوا النظر في شروط اشتغالها. ولم يستطع فريق المتطوعين الذين لجأ إليهم المنظمون ملأ الفراغ. بل قام هؤلاء المتطوعون أيضا بإضراب في اليومين الأخيرين احتجاجا على شروط عملهم المتردية وعدم حصولهم على تعويضات. وهذا ما زاد من الفوضى وتيه المشاركين في إيجاد الأنشطة وتنظيمها والتعبئة إليها، إلخ.
وفي اجتماع المجلس الدولي للمنتدى الاجتماعي العالمي الذي انعقد مباشرة بعد اختتام المنتدى الاجتماعي، أي يومي 29 و30 مارس، حاول المشرفون الرئيسيون تفادي النقاش حول هذه الانحرافات النوعية عن روح المنتديات وحول التمويل وهزالة التنظيم، ثم آفاق سيرورة المنتدى الاجتماعي العالمي. وشهد الاجتماع عديدا من الاحتجاجات من المنظمات والشبكات المناضلة ضد هذا المسار الذي تقود في اتجاهه هذه الجماعة المشرفة والتي تسعى إلى تفريغ المنتدى من مضمونه المعادي لليبرالية. ورغم الأجواء المشحونة، اتفق المجلس الدولي على عقد الدورة 14 للمنتدى الاجتماعي العالمي بمونريال (كندا) في غشت 2016.
أنشطة ولقاءات تقاطعية ناجحة للمنظمات والشبكات المناضلة
رغم شروط التنظيم المحبطة، شاركت بشكل نشيط منظمات وشبكات مناضلة بمنطق مناهضة النيو-ليبرالية والرأسمالية وعملت عن تنسيق الحملات الدولية وتطوير استراتيجيات التصدي، كشبكة اللجنة من أجل إلغاء ديون العالم الثالث، والمسيرة العالمية للنساء، وحركة نهج المزارعين العالمية، وشبكة أطاك الدولية، وائتلافات من أجل العدالة المناخية ومن أجل العدالة الضريبية وضد الشركات متعددة الجنسيات واتفاقيات التبادل الحر، ومنظمات نقابية من تونس وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا والبرازيل، إلخ. حاول المنظمون تذويب مشاركة بعض منها بدمجها في أنشطة مشتركة مع حركات "المجتمع المدني" ممولة من قبل أنظمة ومؤسسات مالية دولية من أجل تبرير سياستها المدمرة للشعوب. لكن الإصرار النضالي لهاته المنظمات والشبكات المناضلة كان وراء إنجاح ورشاتها وندواتها وعقد لقاءات أو اجتماعات تقاطعية وتنظيم جمع الحركات الاجتماعية، وكلها محطات نوعية داخل المنتدى ومنحته مغزاه الاجتماعي والنضالي الحقيقي. فقد كانت هناك لقاءات أو جموعات تقاطعية حول العدالة الضريبية، والعدالة المناخية في سياق التعبئة ضد مؤتمر 21 للأمم المتحدة حول المناخ في باريس في دجنبر 2015، والفلاحة البيئية والسيادة الغذائية، والنضال من أجل الأرض والماء، والنضال ضد سطوة الشركات متعددة الجنسيات وضد الاتفاقيات التجارية (اتفاقيات التبادل الحر، تجارة الخدمات، اتفاقيات الشراكة الاقتصادية، اتفاقية التجارة والاستثمار، إلخ). كما استطاعت إنجاح الجمع العام للحركات الاجتماعية بحضور أكثر من 300 مشارك-ة خاصة بفضل جهود كبيرة من أعضاء الشبكة الدولية للجنة من أجل إلغاء ديون العالم الثالث (أطاك المغرب وتونس) وصدر عنه إعلان ختامي هام.