الحسين بوخرطة
الإحاطة بحدود وإمكانيات وآفاق الاقتصاد الحضري بالمغرب لا يمكن أن تكون شاملة وعميقة بدون أن تستند على تحليل موضوعي لتمفصلات سلوك الفاعلين في مختلف الديناميات الحضرية. فعندما يتم الحديث عن الفاعلين في هذا المجال نعني بذلك كل النخب والفعاليات في القطاعين العام والخاص وفي المجتمع المدني. إن الحياة الحضرية، بأجوائها وفضاءاتها ومرافقها المختلفة، العامة والخاصة، لا ولن تكون طبيعية ومساعدة على تحقيق التراكم في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ما لم يكن منطق الساهرين على تدبير شؤونها الترابية وانشغالهم الدائم هو تحقيق التكامل وتقوية الالتقائية في البرامج ومخططات التفعيل والانجاز، بدءا من توضيح حدود الواجبات المؤسساتية القانونية (الفرز الواضح ما بين مجالات التدخل الخاصة والمشتركة).
فالمجال الحضري هو مجال تتداخل فيه السلطات بمختلف أنواعها: السلطة الإقليمية، والسلطة المحلية بشقها الإداري (الباشوية برئاسة الباشا والمقاطعات الإدارية برئاسة القواد) وشقها المنتخب (المجالس الحضرية ورؤسائها)، والسلطات التقنية المجسدة في المندوبيات والمديريات والوكالات الإقليمية والجهوية للوزارات، ومنظمات المجتمع المدني. هذا التداخل يجب أن يكون مفكرا فيه مسبقا، وبعمق وحرص شديدين ودائمين، ومجسدا في القوانين ومخططات العمل الخاصة والمشتركة، وخاضعا للمراقبة والتقييم المؤسساتي الدائم لضمان تكامل الأفعال والمبادرات، وتحقيقا للتحكم العقلاني في تكلفة التدخلات التجهيزية والتنموية، ووصولا إلى الأهداف التي تم تحديدها مسبقا.
فمنطق هذا التفاعل إذن يجب أن يكون مستخلصا من خليط نافع للمعارف السوسيوديمغرافية بما في ذلك منظومة أفضليات الأسر، والواجهات التي تربط ما بين الأنشطة الاقتصادية وسوق الشغل ومواقع سكن الأسر وتحركاتهم اليومية، وعناصر الجاذبية للسكان والأنشطة الاقتصادية، ووظائف سوقي العقار والبنايات، وإنتاج شروط تقوية الارتباط الوجداني بفضاءات العيش المشترك (التجهيزات، المرافق العمومية، وسائل النقل، المؤسسات الاقتصادية،...)، والحفاظ على البيئة، والتوفر على جهاز أمني وقائي مسؤول ووطني يستثمر كل جهده في الوقاية والتوعية للتقليل من الخروقات والجرائم والمخالفات والعقوبات.
إن التطور الذي تعرفه شبكة المدن المغربية كما وحجما، وما يترتب عن ذلك من ارتفاع لوثيرة التمدين، وتوسيع دائم للمجالات الحضرية، وتنمية لما يسمى بهوامش المدن، يتطلب اليوم نوع من الوعي المؤسساتي بالتحولات المجتمعية التي تعرفها المدن المغربية، وما تستوجبه من تفكير دائم للتحكم في الحركية السكانية ولكل أشكال التمدين المختلفة. وعندما يتم الحديث عن مصطلح "التحكم" نعني به القدرة التدبيرية على المواجهة السريعة لكل المشاكل والإشكاليات الحضرية : أشكال الاحتقان الممكنة، الحد من تفاقم حدة التلوث، مواجهة ظاهرة تشتت المصالح العمومية،...كما يعني كذلك تحقيق نوع من المرونة في مخططات التأطير الترابي لتسهيل عملية اختيار المواقع الملائمة للأنشطة الاقتصادية، وبالتالي الاستجابة لمطالب الرأسمال الاستثماري في مجال العقار وتسهيل المساطر بالشكل الذي يمكن من التوزيع الكافي للأجور والمداخيل على الأسر ويضمن مصادر العيش المادية للساكنة ويسهل التواصل ما بين مراكز المدن وهوامشها.