عبد الله الشرقاوي
يطرح ملف قرصنة المكالمات الهاتفية من طرف شركات وهمية جملة من الأسئلة تمتد إلى حد مدى قدرتها على المس بالأمن القومي للبلاد، ودور الأجهزة الأمنية بمختلف تصانيفها في هذا المجال؟ ومدى توفر الوزارات المعنية بمراقبة الشركات الأجنبية ومنح التراخيص لها على خارطة طريقة واضحة لمعرفة الشركات المعتمدة الموجودة على أرض الواقع واحترام التزاماتها، أو التي أصبحت وهمية أو لم تنشأ أصلا وتم تحويلها لغايات إجرامية، وهنا فإن المسؤولية تظل مشتركة بين رئاسة الحكومة ووزارات المالية والتشغيل والتجارة والأمانة العامة للحكومة، دون الحديث عن دور الأجهزة المكلفة بحماية الأمن الاقتصادي والأمن القومي، وهو ما يستوجب تحديد المسؤوليات وترتيب النتائج على ذلك، حتى في بعض قضايا صعوبة المقاولة التي تطرح هي الاخرى إشكالات متعددة تمس الاقتصاد الوطني.
كما أن من بين الأسئلة المطروحة هو مدى تنصيب الدولة كطرف مدني إذا كان هناك مساس ولو غير مباشر بخزينة الدولة؟ وهل الواقع لا يستلزم إعادة النظر في مثل هذه الجرائم من حيث إعادة النظر في العقوبات الحبسية والغرامات.
في انتظار الإجابة على مثل هذه الأسئلة نقدم اليوم الملف التالي:
أيدت غرفة الجنح الاستئنافية بمحكمة الاستئناف بالرباط الحكم الابتدائي القاضي بالحكم على متهم يحمل الجنسية الصينية ومغربي بثمانية أشهر حبسا نافذا وغرامة عشرة آلاف درهم من أجل تهمة إدخال معطيات في نظام للمعالجة الآلية عن طريق الاحتيال وإحداث شبكة المواصلات وتقديم خدمة دون الحصول على ترخيص، طبقا للفصل 607/6/607 من القانون الجنائي والمادة 83 من ظهير 7 غشت 1997، المتعلق بالبريد والمواصلات. وفي الدعوى المدنية قضت المحكمة بأداء المتهمين تضامنا مبلغ عشرة ملايين درهم كتعويض مدني لفائدة شركة اتصالات المغرب، وتعويضا مماثلا لشركة كوربوريت.
وتحدثت المعطيات الأولية للجهة المشتكية عن جريمة قرصنة الرواج الهاتفي من طرف مجهولين، استعملوا في السنوات الأخيرة أجهزة تقنية وآليات إلكترونية متطورة تسمح لهم بالقيام بالنشاط التي تزاوله في ميدان إجراء الاتصالات، باعتبارها أول شركة مغربية مرخص لها من طرف الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات بتدبير الشبكة العامة للاتصالات، سواء منها الخدمة الهاتفية بما فيها الهاتف الثابت والمتنقل وخدمة شبكة الانترنيت، وكذا معالجة المعطيات الإلكترونية وفق الشروط المنصوص عليها في القانون المتعلق بالبريد والمواصلات.
وأوضحت المشتكية أن الأشخاص المجهولين استعملوا هذه الأجهزة بطرق غير مشروعة وغير خاضعة لرقابة الدولة، حيث تمكنوا بفضل الآليات المستعملة من تمرير مكالمات هاتفية دولية، سواء منها الواردة أو الصادرة منها بالمغرب، بتوظيف شبكة الانترنيت، أو باستعمال تقنيات أخرى إلى مستقبلين داخل المملكة دون المرور عبر المراكز الهاتفية للمتعهدين المرخص لهم بتوفير هذه الخدمة ببلادنا، مما يحول دون خضوع هذه المكالمات الهاتفية المجراة من طرف هؤلاء الأشخاص للفوترة والتسعيرة المعمو بها.
وأكد المشتكي أنه نتيجة لهذه الأفعال الإجرامية تكبدت الشركة خسائر مادية ومعنوية مباشرة، كما ألحقت أضرارا مادية بخزينة الدولة بطريقة غير مباشرة على اعتبار أنها تحرمها من الاستفادة من العملة الصعبة التي تذرها هذه المكالمات في حالة تمريرها عبر الشبكات الوطنية المرخص لها بذلك.
ونسب إلى المتهم المغربي «بدون مهنة» أنه تعرف على صيني وساعده إلى أن حصل على شهادة الإقامة الحصرية وعرض عليه فكرة إنشاء شركة للاستيراد والتصدير التي أُنشئت، حيث تم استيراد آليات الحفر وقطع غيار السيارات من دولة الصين عن طريق شركة متخصصة في البريد الجوي، كما عرض عليه المعني بالأمر مشاركته في مشروع في مجال الاتصال الهاتفي مقابل مبالغ مالية مهمة من خلال إنشاء شركة وهمية لاستيراد وتصدير مجموعة من الأدوات والتجهيزات المتخصصة في استعمال المكالمات الهاتفية من مدينة هونغ كونغ، بتنسيق مع إحدى الشركات العاملة في مجال الاتصال السلكي واللاسلكي عبر شركة الأنترنيت، حيث وافق على الأمر وقام بتحضير بعض الوثائق المتطلبة لذلك. وهكذا تم كراء شقة في مكان قريب من محطة هوائيات شركة اتصالات المغرب لاستعمالها كمقر للأجهزة المتخصصة في تحويل المكالمات الهاتفية، إذ تمت الاستفادة من أربعة خطوط هاتفية خاصة بالهاتف النقال والثابت لتشغيل شركة الأنترنيت، كما تم كراء شقة ثانية بحي كريمة لنفس الغرض وجهزت هي الأخرى بالمعدات المتطلبة من هونغ كونغ ليتم الشروع في العمل بشركة وهمية، حيث يقوم الصيني صباح كل يوم إلى غاية ساعة متأخرة من الليل بتشغيل تلك الأجهزة عبر حاسوبه الشخصي، وذلك مقابل حصوله على مبلغ 10.000 درهم كل أسبوع. ودائما حسب تصريح المتهم فإن الصيني عرض عليه كراء شقة أخرى من أجل توسيع نشاطهما مقابل الحصول على أرباح مضاعفة جراء تحويل المكالمات الدولية وقرصنتها، وهو ما تم فعلا. وكان المتهم الصيني يتقاضى شهريا تقريبا مبلغ 26.000.00 درهم يسلم منها 10.000.00 درهم للمتهم الثاني من خلال قرصنة المكالمات الهاتفية الأجنبية الواردة من الخارج إلى المغرب، باستغلال الأجهزة المرسلة والتي تم حجزها.