تندوف (الجزائر) ـ بينما ينعم السكان الصحراويون المستقرين بجنوب المغرب بامتيازات اقتصادية واجتماعية توفر لهم جوا من الرخاء، يعيش إخوتهم في مخيمات تندوف بالجنوب الجزائري، ظروف عيش مأساوية وغير إنسانية.
ولئن تشهد التقارير الدولية الإعلامية على التغير المتواصل لأوضاع الصحراويين جنوب المغرب بفضل عمليات التنمية المتسارعة نتيجة للسياسة التي يعتمدها الملك محمد السادس، لتأمين تدفق الاستثمارات بشكل متواصل على هذا الجزء من المملكة، فإن نفس التقارير تؤكد على كارثية أوضاع الصحراويين في تندوف جنوب الجزائر.
ويعاني أكثر من 30 بالمائة من الأطفال الصحراويين البالغ عمرهم ما بين 5 و12 سنة من سوء التغذية، بينما يعاني أكثر من 70 بالمائة من الأطفال الذين تقل اعمارهم عن خمس سنوات من أعراض الأنيميا.
وبالرغم من التعتيم المفروض على هذه المخيمات فإن تقارير المنظمات الحقوقية العالمية وشهادات المواطنين الصحراويين العائدين الى المغرب تؤكد أن أعمال القمع الأمنية التي تمارسها ميلشيات الـ"بوليساريو" بالتنسيق مع مخابرات الجيش الجزائري خلفت بمرور السنوات الآلاف بين قتلى وجرحى .
وتعمل قيادة الـ"بوليساريو" بانتظام على تكريس نظام "المحسوبية" لإبقاء سيطرة قادة الـ"بوليساريو" على السكان داخل المخيم.
وعلى جميع المواطنين الصحراويين المحتجزين في هذه المخيمات الولاء والطاعة لقادة الـ"بوليساريو" من أجل الحصول على بعض المكاسب من قبيل إجراء عملية جراحية أو متابعة الدراسة في الخارج أو الحصول على تصريح لمغادرة المخيم أو الاستفادة الاقتصادية.
ونتيجة لهذا السلوك انقسم سكان مخيمات تندوف الى فئتين أساسيتين: الأولى مقربة من مراكز النفوذ في جبهة البوليساريو وتحصل على وسائل عيش مريحة، وفئة تعيش حياة قاسية محرومة من أية امتيازات وتمثل الغالبية الساحقة من سكان المخيمات.
وتؤكد عدة تقارير صادرة عن الهيئات والمنظمات الدولية وجود حالات عديدة لتحويل المساعدات الإنسانية التي تقدمها الجمعيات الانسانية والدول المانحة للسكان الصحراويين في مخيمات تندوف.
فقد تسربت كميات كبيرة من هذه المساعدات الى الأسواق الجزائرية والموريتانية وأيضا الى مالي والنيجر.
وهذا ما جعل عدد من المنظمات الانسانية تربط ما بين تحويل هذه المساعدات وتدهور الحالة الصحية للسكان الصحراويين في المخيمات.
ومما يساعد في عملية تحويل المساعدات الانسانية غياب إحصاء دقيق ونزيه لساكنة مخيمات تندوف.
فتحويل المساعدات الانسانية يرتكز على الفرق الموجود بين العدد الحقيقي لـ"اللاجئين الصحراويين" المقيمين في تندوف والعدد المعلن عنه رسميا والذي على أساسه يجري احتساب الحجم الكامل للمساعدات الضرورية الموجهة اليهم.
وقد شككت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين غير ما مرة في الأرقام التي تعلنها الجزائر والتي تحدد عدد "اللاجئين الصحراويين" في مخيمات تندوف بـ165 الف شخص (وفقا لإحصائية عام 2010).
وهو رقم يشكك المغرب بمصداقيته حيث يؤك أن سكان المخيمات أقل من نصف العدد الذي يقدمه البلد المضيف .
وهو ما يتطابق مع تقديرات العديد من المنظمات الانسانية المستقلة التي تؤكد أن العدد الحقيقي لهؤلاء اللاجئين يتراوح ما بين 20 إلى 30 ألف شخص.
ورغم شكوك المفوضية العليا لشؤون اللاجئين ومطالبة المغرب الملحة بإجراء احصاء لعدد سكان المخيمات فان الجزائر باعتبارها البلد المضيف "للاجئين الصحراويين" تستمر في "تسييس" العدد الحقيقي لهؤلاء السكان وتمنع منظمة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من اجراء احصاء عام في مخيمات تندوف والتأكد من العدد الحقيقي للسكان الصحراويين.
وتؤكد التقارير أن الـ"بوليساريو" تقوم وبشكل ممنهج بترحيل الأطفال الصحراويين الذين ولدوا وترعرعوا في مخيمات تندوف الى كوبا واسبانيا بذريعة الدراسة أو قضاء العطلة، بينما الهدف من ذلك تعبئة الأطفال ايديولوجيا وعسكريا بعيدا عن محيطهم العائلي وأيضا وسيلة ابتزاز لإرغام آبائهم على البقاء رهائن في المخيمات.
وتفيذ الإحصائيات الى وجود آلاف الأطفال والشباب الصحراويين يعيشون في كوبا .
وتؤكد العديد من التقارير الصحفية أن عددا كبيرا من هؤلاء الأطفال والمراهقين الصحراويين يقعون ضحايا في أيد عصابات المافيا الكوبية حيث يتم استغلالهم في العمل في حقول قصب السكر أو التبغ بينما تجبر المراهقات الصحراويات على امتهان الدعارة.
ويدور داخل المجتمع الصحراوي في مخيمات تندوف جدل أخلاقي حول شرعية قيام الـ"بوليساريو" بترحيل الأطفال الى كوبا واسبانيا مع العلم أن معظمهم يقضون سنوات طويلة بعيدا عن عائلاتهم ومجتمعهم.
وكنتيجة لهذا الوضع الماساوي، تشهد هذه المخيمات حركة احتجاجات ومظاهرات عارمة ضد سياسة القمع والاضطهاد والاقصاء التي تمارسها جبهة الـ"بوليساريو" بحق المواطنين الصحراويين.
وترتكز هذه الاحتجاجات على المطالبة وقف المتاجرة بمأساتهم ووقف تحويل المساعدات الانسانية الموجهة الى المواطنين الصحراويين وتحويلها الى الحسابات البنكية لقادة الـ"بوليساريو" ورجال المخابرات العسكرية الجزائرية.
ويرى مراقبون محايدون ان القوى الدولية لابد لها من أن تحمل مسؤولياتها لتمكين المواطنين الصحراويين المحتجزين في مخيمات تندوف بالجزائر من الحصول على أوراق تتبث هويتهم ووثائق سفر تمكنهم من السفر عبر الحدود بكل حرية وممارسة حقهم في حرية العودة الى بلدهم المغرب كما تنص على ذلك المواثيق والمعاهدات الدولية والاقليمية لحقوق الانسان وحقوق اللاجئين.