حاول باحثون ومفكرون ومتتبعون لصيرورة الصراع بين المغرب والجزائر خلال برنامج تلفزي تم بثه مساء أمس الأربعاء استكناه أسباب العداء الذي يكنه النظام الجزائري للمغرب ولقضية وحدته الترابية مع تلمس دواعي هذا العداء الذي زادت حدته في الأسابيع الأخيرة ومحاولة الإجابة على السؤال اللغز .. إلى متى ؟ . وعاد المتدخلون خلال برنامج " مباشرة معكم " الذي يعده الصحفي جامع كولحسن والذي بثته القناة الثانية تحت عنوان كبير " لماذا تستمر الجزائر في معاداة المغرب " إلى التاريخ بكل ثناياه وشقوقه وإلى الجغرافيا " الظالمة " .
كما استعانوا بمختلف النظريات والتحاليل التي جعلت من الصراع المغربي الجزائري موضوعا لها، وذلك في محاولة منهم لفهم الأسباب الكامنة وراء هذا العداء والحقد الدفين الذي يكنه نظام الجزائر للمغرب .
واعتبر الموساوي العجلاوي، الباحث بمعهد الدراسات الإفريقية، أن الجزائر هي مجرد " نتاج استعمار" كما أن بنية هذه الدولة كما تأسست منذ البداية ترتبط بمؤثرات الاستعمار، وبالتالي فإن خطاب الدولة العميقة في الجارة الجزائر ينبني على أساس أن هذا الإرث الاستعماري مهدد من طرف المغرب الذي يشكل جزء أساسيا من المعادلة الداخلية الجزائرية . فالمغرب برأي الباحث العجلاوي هو بالنسبة للجزائر " الشيء ونقيضه " لأن حكام الجزائر " يهيمون بالمطبخ واللباس والفن والموسيقى وفن العيش المغربي وفي نفس الوقت يكنون عداء مفرطا للمغرب " ، والسبب هو أن " الأوليغارشية العسكرية ترى أن تحقيق الهيمنة على المنطقة لن تتم إلا بإضعاف المغرب " . كما أن "البوليساريو " ، يقول العجلاوي ، ما هي إلا واجهة تستعملها الجزائر ل " التسول السياسي في المحافل الدولية " لأن الجبهة عند تأسيسها " لم تكن انفصالية " ولكن تم استقطابها من طرف الجزائر التي وظفتها لخدمة أطماعها التوسعية وإضعاف المغرب . وأضاف أن الجزائر لا تهتم بمصير المحتجزين ومستقبلهم وأوضاعهم رغم أنهم يعانون الأمرين جراء الانتهاكات والتجويع والتشريد وقمع الحريات التي تتم فوق ترابها وتحت أعين مخابراتها التي تتحكم في المخيمات . وعن دواعي وأسباب التصعيد اتجاه المغرب الذي دشنته الجزائر في الأسابيع الأخيرة ، أكد الباحث أن الجزائر وجدت نفسها في محيط ملتهب بفعل الأحداث التي تشهدها المنطقة ( شمال مالي وليبيا ) ، كما أن ما يجري في تونس التي تشهد فترة انتقالية واعدة " لا يروق لحكام الجزائر " ، وبالتالي فهي تعيش تناقضا صارخا بين ما يجري في محيطها وما تعيشه داخليا ، لذلك تحاول أن تنفس عن جبهتها الداخلية من خلال تصعيد عدائها للمغرب مع العمل على إفشال التجربة التونسية . وفي نفس الاتجاه ذهب محمد البريني الصحفي والكاتب الذي أكد أن موقف الجزائر اتجاه المغرب لم يتغير وإنما هناك فترات يصعد خلالها حكام الجزائر هجماتهم ضد المغرب في العديد من الملفات ومن ضمنها قضية الصحراء " التي تحتل لدى الجزائر حيزا أكبر من أية قضية وطنية داخلية أخرى " .
فسلوك الجزائر لم يتغير برأي محمد البريني " ، وإنما حدته ترتفع أو تنخفض حسب الظروف التي تمر منها جبهتا الداخلية والأخطار التي ترى أنها تهددها ". كما أن البوليساريو " ما هي إلا أداة تنفذ من خلالها الجزائر سياستها اتجاه المغرب لإضعافه " لأنها ترى أنها هي المحور والمرتكز في المنطقة المغاربية . واعتبر البريني أن المغرب مطالب لمواجهة كل هذه المناورات بأن يواصل تكريس مشروعه الديموقراطي وتقوية وتعزيز منظومة حقوق الإنسان التي لا يمكن للجزائر بأي حال من الأحوال أن تقدم للمغرب دروسا في هذا المجال " لأن بلدنا عرف تطورات حقيقية في مجال حقوق الإنسان بينما الجزائر يحكمها نظام عسكري منغلق لا تهمه مسألة حقوق الإنسان " .
وجاءت أجوبة حكيم الجيلالي العامل الملحق بالإدارة المركزية لوزارة الداخلية حول أسباب العداء المستمر للجزائر لتصب في نفس المنحى حين أكد أن حكام الجزائر ظلوا سجناء عقيدة بائدة " هدفهم الهيمنة التي لا يمكنها أن تتم إلا بإضعاف المغرب " . فالجزائر حسب حكيم الجيلالي قامت باختيارات فاشلة منذ استقلالها سواء في السياسة أو في الاقتصاد مما عرضها لانتكاسات قاتلة ولفشل ذريع على مختلف الأصعدة وبالتالي فهي دائما ما تكون في حاجة إلى " فزاعة " أو عدو حتى تحافظ على تماسكها الداخلي ووجدت ضالتها في قضية الصحراء " . وأضاف أن الجزائر لا يهمها أهل الصحراء بقدر ما تهمها الصحراء ذاتها لأنها لو كانت تهتم بأهل الصحراء لوفرت لهم ظروف عيش كريمة خاصة وأنهم محتجزون فوق ترابها ".
وحول مشروع الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب ، أكد المتدخل أن هذا المخطط ترفضه الجزائر " لأن نجاحه سيشكل نموذجا لعدة مناطق داخل الجزائر نفسها وهو ما تخشى أن يتحقق " .