ربيع استقلال القضاء
بقلم محمد طارق السباعي
رئيس الهيئة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب
تسربت معلومات عن مسودة مشروع إصلاح العدالة تضمنت سحب النيابة العامة من وزارة العدل إلى جانب جهاز تفتيش القضاء وأنها ستصبح تحت نفوذ الوكيل العام للملك بمحكمة النقض و أن حقوق الدفاع ستتقوى قبل وأثناء المحاكمة كما تم تقييد الإعتقال الإحتياطي ولم يبق خاضعا للسلطة التقديرية الواسعة للنيابة العامة وقضاة التحقيق .
لكن وزير العدل والحريات سرعان ما نفى كل ما نشر في الصحافة حول ملامح مشروع اصلاح العدالة ويعلم الله كم سننتظر لاخراج القانون التنظيمي للسلطة القضائية ومتى ستنطلق اشغال المناظرة الوطنية حول إصلاح منظومة العدالة والتي ستبلور بدورها ميثاقا وطنيا حول هذا الورش الإصلاحي رغم أن تفعيل الإصلاح، لا يحتاج إلى كل هذا الوقت والجهد، وصرف الملايين من المال العام .
لقد جنب الله بلادنا من صدام السياسة والقضاء فقد شهدت ارض الكنانة أيام الحقبة الناصرية صراعا محتدما بين الفقيه الدستوري الكبير ورئيس مجلس الدولة آنذاك، عبد الرزاق السنهوري، ومؤسسة رئاسة الجمهورية ، بسبب إصرار الأول على ضمان وجود سلطة قضائية محايدة ومستقلة، إلا أن جمال عبد الناصر أخرج "السنهوري "من منصبه ونجح في إصدار قانون سلطة قضائية سياسي. كما تكررت المعركة بين ناصر والقضاة عام 1969 فيما عرف بمذبحة القضاة التي جرت خلالها محاولات لتصفية القضاة المعارضين وإقصائهم.
ونجانا الله من أمثال المستشار أحمد الزند رئيس نادي قضاة مصر في عهد الرئيس مرسي حين طالب ، الرئيس الأمريكي بالتدخل للاستقواء به وتدويل أزمة القضاء،
فقضاتنا المغاربة الأجلاء مؤهلون للدفاع عن استقلالهم لأخر نفس ولن ييأسوا من الحصول عليه وسيكنسون من صفوفهم كافة الخانعين المتزلفين ابتغاء المنصب او الترقية وسيخرسون جميع الالسنة التي قد تتطاول عليهم وتشكك في نزاهتهم .
وانتفاضة القضاة بالمغرب تشق طريقها باصرار في اطار الربيع العربي وقد بدأت يوم 6 اكتوبر 2012 بالوقفة الاحتجاجية أمام محكمة النقض بالرباط ، تحت شعار " استقلال السلطة القضائية و التنزيل الديموقراطي للدستور "
فالمعالم المشرقة لاستقلال القضاة المغاربة بدأت باصدار احكام لا سلطان فيها الا القانون مدثرة بنسيم الحرية والاستقلال الحقيقي مقطعين اسلاك تليفونات كانت تتدفق منها التعليمات ، في انتظار سن قانون زجري يجرم اصدار التعليمات للقضاء مع الحرمان من الحقوق المدنية و السياسية لكل مخالف.
فاستقلال القضاة لايحتاج الى مسودة الاصلاح العميق الموعود به من طرف الملك محمد السادس سنة 2007 بل والذي ظل القضاة والمحامون ينتظرونه منذ نصف قرن، فإصلاح منظومة العدالة رهين بوجود إرادة سياسية فعلية وديمقراطية حقيقية .
اننا بحاجة الى تطوير هيكلي ونوعي في السياسات الفلسفية للقضاء والقانون والدولة, و التحول من التسلطية القانونية والأمنية والسياسية وآثارهما السلبية علي استقلال القضاء والقضاة في الآجال القصيرة والمتوسطة أو البعيدة, في افق أن يتم التحول البنيوي لنظام ديمقراطي شامل يشمل فلسفة وقوانين وسياسات ومؤسسات ونظم وآليات في الدولة وسلطاتها وأجهزتها, ونظامها السياسي.. إلخ
فتحية التقدير والاحترام لرئيس نادي قضاة المغرب الاستاذ ياسين مخلي الذي رفض تقديم تصريحه بالممتلكات في ظرف مختوم وبطريقة سرية كما تنص على ذلك دورية وزير العدل والحريات المؤرخة في 13مارس 2013، مرفقا التصريح بتصريح اضافي بممتلكات الزوجة رغم أن القانون لا يلزمه بذلك، والاجدر بالتنويه فقد تضمن هذا التصريح الإذن للمواطنين في النفاذ إلى المعلومات موضوع التجديد انسجاما مع أفضل التجارب الدولية بهذا الخصوص.
واتمنى من الاعماق ان يفصح القاضي المشهور جمال سرحان الوكيل العام للملك بخريبكةحاليا ويحذو حذو الاستاذ ياسين مخلي ويصرح بكافة ممتلكاته التي راكمها منذ التحاقه بسلك القضاء والتي نتوفر على لائحة طويلة بها سنعمل على نشرها في اطار الحملة الوطنية للمطالبة بسن قانون من اين لك هذا ؟
وتحية للقاضي عادل فتحي، نائب وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بتازة، والذي نشر العديد من المقالات عبر من خلالها عن العديد من القضايا المرتبطة بوضعية القضاء.
لقد برأت المحكمة الابتداية بمراكش حميد مجدي الناشط النقابي والحقوقي والسياسي من تهمة حيازة المخدرات على خلفية المؤامرة الدنيئة التي حيكت ضده بتاريخ 16 نونبر 2012 بدس كمية من مخدر الشيرا و الكوكايين داخل سيارته بشارع علال الفاسي بمراكش، حتى يتخلى عن الدفاع عن حقوق العمال وفضح الفساد ونهب المال العام ، فألف تحية للقاضي الذي تحدى لوبيات الفساد بمراكش والذي فعل بتشديد العين اتفاقية الامم المتحدة لمحاربة الفساد وبرأ الناشط الحقوقي فاضح الفساد .
وتحية لقضاة المحكمة الإدارية بالرباط والذين أنصفوا معطلي محضر 20 يوليوز وقضوا بقانونيته معززين الثقة في القضاء بصفة عامة والقضاء الاداري بصفة خاصة فالحكم له دلالات وارهاصات من شأنها نشر السلم وتهدئة الأجواء المحتقنة التي شهدتها شوارع الرباط على مدى سنتين ونيف بفعل الحراك الإحتجاجي السلمي الذي دأب معطلو المحضر على خوضه كل أسبوع.
وهاهو ابن الامين العام لحزب الاستقلال يتمتع ببراءته بعد ادانته ابتدائيا بثلاث سنوات سجنا نافذا فقد برأته استئنافية فاس صباح الأربعاء 5 يونيو 2013 من تهمة الإتجار في المخدرات وقضت أيضا ببراءة ضابط شرطة وصاحب فندق وعدد من المتهمين الآخرين الذين وردت أسماؤهم على لسان زعيم الشبكة والذي سبق له ان صرح أمام القاضي بأن نجل شباط هو مزوده الرئيسي بالكوكايين «زعيريطة»
حيث وصف شباط عمدة فاس القضاة الذين اصدروا الحكم بال«القضاة الاتحاديين»، والذين أساؤوا اليه على اثر الصراع الذي خلفته تصريحاته حول المهدي بنبركة مع الاتحاديين.
فافتراض براءة المتهم يعتبر إحدى أهم المبادئ الأساسية في القانون الجنائي، إضافة إلى أنها قاعدة قانونية ملزمة للقاضي، و بمقتضاها لا يكون المشتبه فيه مطالبا بإثبات براءته، وينبغي معاملته معاملة إنسان شريف بعيدا عن الشبهة، طالما لم تثبت إدانته بحكم قضائي بات، وعلى من يدعي خلاف الوضع الظاهر أن يتحمل عبء الإثبات، وتعتبر النيابة العامة الجهة التي تدعي خلاف الأصل فتتحمل هي وحدها عبء الإثبات .
وسيكون هذا الحكم مرجعا لكل القضاة والمحامين في الاقتداء به حيث يتطلب الامر من وزير العدل والحريات مراجعة جميع الاحكام الصادرة ضد كل المدانين بمقتضى المساطر الاستنادية وعلى رأسهم
السجين (بوطرادا ادريس الملقب بالمقنع وهو من نشطاء حركة 20 فبراير) ، فالادانات المتكررة بناء على تصريحات متابعين تمت ادانتهم وهم متلبسين تم تكليفهم ب«فبركة» الملفات عن طريق الإدلاء بشهادات تفيد تورُّط المتهمين الأبرياء في ملفات القتل أو الاتجار في المخدرات تعتبر من الاخطاء القضائية القاتلة و الواجبة التصحيح .
وعندها سيتم فتح ابواب السجون للافراج مؤقتا عن كافة المدانين الشبيهة ملفاتهم بملف نوفل شباط وسنكون قد قررنا القطع مع العدالة الانتقائية ضمانا لجزء من كرامة فقدت وفقدت معها وظائف أبرياء وراء القضبان ، مما يجعلهم عالة على المجتمع، الذي يرفض احتضان السجين، رغم ظهور براءته في نهاية المطاف.
ولابد هنا من التنويه بالدور المناط بالوكلاء العامين والذين يتحملون مسؤولياتهم في حماية المال العام ويتقدمون بالطعن بالنقض لفائدة القانون حيث رصدت الهيئة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب حالتان بأكادير ووجدة حيث تم الطعن ضد الحكم الصادر ببراءة محمد اومولود رئيس بلدية انزكان و محمد قدوري رئيس بلدية دبدو( استقلاليان ) المتابعين بجريمتي الغدر وتبديد واختلاس المال العام، حيث تم نقض القرارين القاضيين بالبراءة وستتم اعادة محاكمتهما .
ولا ننسى طلب النقض الذي تقدم به لفائدة القانون الوكيل العام للملك بالرباط حيث صرح بالنقض ضد الحكم ببراءة البرلماني حسن عاريف من تهمة الاغتصاب والتسبب في الحمل للسيدة مليكة السليماني، والتي تنتظر انصافها من طرف قضاة محكمة النقض من ذاك الوحش الكاسر .
وينتظر العديد من الضحايا إنصافهم،بخنيفرة من طرف وكيل الملك والذي لم يسبق له ان عمل على تحريك المساطر ضد خالة الملك محمد السادس وهو ما يشكل إنكارا للعدالة، وتشجيعا للمنتهكة على التمادي في خرقها وعبثها بالقانون.
ولاشك أن الدور الخطير الذي تضطلع به النيابة العامة كممثلة للحق العام في ارساء دعائم دولة الحق و القانون، وحماية الحقوق والحريات و نشر أسس الاستقرار الاجتماعي،فان من مهامها ايضا حماية الثروات الوطنية من النهب والسلب ومحاربة كل اشكال الفساد طبقا للمواثيق الدولية ومحاربة الجريمة بصفة عامة وهذا يتطلب أن تتمتع بكل عناصر الاستقلالية و الموضوعية و النزاهة كمعايير تتأسس عليها العدالة بمفهومها الشامل، وهو ما يستدعي اعادة النظر في عضوية الارتباط بين النيابة العامة و السلطة التنفيذية المتمثلة في وزير العدل، فإنه بالمقابل لا تعارض بين أن تتمتع النيابة العامة بهذا الاستقلال لكن يتعين بالضرورة أن تخضع لرقابة القضاء، لتطبيق صرامة القانون طبقا لمبادئ المساواة والحق والعدل بل مساءلة النيابة العامة ان هي تقاعست عن تحريك المتابعات في حق منتهكي حقوق الانسان و ناهبي المال العام والمرتشين ومبيضي الاموال ، وفي هذه الحالة ينبغي مراقبة عمل النيابة العامة عند البطء في معالجة قضايا الفساد ونتوخى تحديد سقف زمني للبث في ملفات الفساد وفي احترام تام لقواعد المحاكمة العادلة
وعلى سبيل الختم
فالقضاء الاستعجالي بمحكمة الاستئناف بالرباط يتوقع ان يبث يوم 8/7/2013 في ا ستئناف الحكم الإبتدائي القاضي بعدم قبول الدعوى التي تقدم بها المحامي نعمان الصديق نيابة عن الدكتور أنس بنسودة و حمدون الحسني والرامية الى "بطلان إنتخاب حميد شباط على رأس الأمانة العامة واللجنة التنفيذية لحزب الإستقلال " حيث تم تضمين المقال الاستئنافي العديد من الخروقات القانونية قبيل وخلال وبعد إجراء المؤتمر السادس عشر الذي حمل شباط على رأس حزب الإستقلال"، الشيء الذي دفعهم إلى الطعن في شرعية انتخابه و المطالبة بإسقاطه من الأمانة العامة بقرار قضائي.
فالخروقات التي عرفتها العملية الانتخابية لأعضاء المجلس الوطني لحزب الاستقلال تتلخص في عدم اهلية 105 من ((الاعضاء)) وان المؤتمرات الاقليمية بالاقاليم الجنوبية لم تنعقد ومع ذلك تم إقتراح أسماء بعينها ليكونوا أعضاء جدد بالمجلس الوطني للحزب.
و لائحة اعضاء المجلس الوطني المنتخب مشكلة من 977 عضوا و ليس 872 المحددة بمقتضى الفصل 77 من النظام الاساسي للحزب ،كما أن منح عضوية المجلس الوطني لممثلين عن النقابات المهنية و هي الاتحاد العام للشغالين والاتحاد العام للمقاولات و المهن و الاتحاد العام للفلاحين و كذلك لبعض الجمعيات كالكشاف المغربي و الشبيبة المدرسية .... وأن تمثيليتها داخل أجهزة الحزب أمر غير شرعي الى آخرما ورد بالمقال الاستئنافي من اسباب الغاء (فوز) حميد شباط) بمنصب الامين العام لحزب الاستقلال ، ولاشك ان عقد جلسة البحث ستكشف حقيقة ما جرى وسيستأنس القضاة الذين بين أيديهم الملف باجتهادات المجلس الدستوري فيما يتعلق باحتساب الاصوات وتأثيرالخروقات على نتيجة الانتخاب ،فالطاعنون بلا هوادة ادلوا بحجج دامغة على عدم اهلية 105 من اعضاء المجلس الوطني للحزب ،وفوز حميد شباط بحصوله على 478 صوتا مقابل 458 صوتا حصل عليه منافسه عبد الواحد الفاسي بفارق 20 صوتا يتطلب القول و الحكم بإلغاء الحكم الابتدائي المستأنف وبعد التصدي الحكم ببطلان انتخاب الأمين العام لحزب الاستقلال و اللجنة التنفيذية للحزب و كافة الهياكل المنبثقة عن المؤتمر العام السادس عشر لحزب الاستقلال
فهل سيقول شباط بعد الغاء انتخابه بان قضاة محكمة الاستئناف بالرباط أعضاء بحزب العدالة والتنمية وهل سينعتهم بالارهابيين كما وصف بذلك قضاة المجلس الاعلى للحسابات في وقت سابق ؟