على الأنصاري
تشكل الحملة الفرنسي_افريقية على شمال مالي، تحديا حقيقيا للدول المغاربية، خاصة على المستويات الأمنية، نظرا لطول الحدود البرية بين هذه البلدان ومنطقة الازواد، وللارتباطات الإنسانية والثقافية والتاريخية بين سكان الأخيرة " طوارق وعرب من بني حسان" وسكان بلدان المغارب، ونظرا أيضا ، لغياب تعاون امني بيني وثيق بين تلك البلدان من جهة، وبينها وبين محيطها الإفريقي.
البلدان المغاربية، آيا كانت مواقفها من الحرب في مالي، فهي معنية، فتأثيرات التحولات في المنطقة سياسيا وعسكريا، لابد أن تكون لها تأثيراتها على بلدان المنطقة، وان اختلفت تلك التأثيرات من بلد لأخر.
التعاون المغاربي منذ الاستقلال الى اليوم لم يرق إلى ما كان مأمولا ،رغم الدعوات المحلية والشعبية والدولية الملحة على ضرورة التنسيق والتقارب،فالاتفاقيات الموقعة لم تفعل ولا أثر لها على مستوى الواقع، الخلافات البينية تشل هذه الاتفاقيات وتجعل من القمم التي تلتئم بين حين وآخر مجرد لحظات لأخذ الصور التذكارية وتبادل الكلمات والمجاملات والأمنيات.
حرب مالي ، الدائرة على حدود البلدان المغاربية، يرى العديد من المراقبين ،بأنها سترغم دول المنطقة خاصة المغرب والجزائر،على التعاون فيما بينها، نظرا لمخاطرها وانعكاساتها على امن تلك البلدان.
يبدو أن التطورات المتلاحقة في منطقة الساحل، ستؤدي الى إخراج جيوش الدول المنطقة المغاربية عن "تحفظها" إلى دعم معلن للجيش الفرنسي الإفريقي في حربها على ما يسمى الجماعات الإسلامية، بدواعي حماية حدودها ومنع -المقاتلين الإسلاميين- من التسرب إليها، وإنشاء قواعد خلفية لهم فيها، ينطلقون منها لمهاجمة القوات الفرنسية والإفريقية في الازواد، في مسعاهم لإطالة الحرب في المنطقة وتكبيد الأخيرة خسائر كبيرة عبر جرها إلى ساحات للمعركة مختارة للمسلحين الإسلامية القدرة على التفوق فيها.
هذا المعطى الأخير وارد ويؤكده العديد من سكان منطقة ازواد، فالأخبار المتداولة تؤكد انسحاب ما يسمى الجماعات الإسلامية من مدن شمال مالي، والاتجاه نحو الجبال في الشمال وفي فيافي الصحراء الكبرى ، وعودة أعداد كبيرة من المقاتلين إلى قبائلهم وبلدانهم في انتظار تجميعهم في خلايا صغيرة لتنفيذ هجمات فجائية على مراكز القوات الفرنسية والإفريقية بعد استقرارها في المنطقة.
للإشارة فإن مسعى ما يسمى الإسلاميين في المنطقة في إطالة الحرب، يلتقي مع الإستراتيجية الفرنسية للمنطقة، التي تطمح لا بقاء قوات فرنسية في شمال مالي، بمبررات الحفاظ على وحدة مالي وضمان تفعيل الحل السياسي المرتقب، والذي لا ينقصه سوى التوقيع بين الحركة الوطنية لتحرير ازواد والحكومة المدنية في مالي، بعد ان حققت فرنسا أول هدف لحملتها وهو إقصاء الانقلابي سانكو ورفاقه من تنازع السلطة مع الرئيس تراوري، وبالتالي لن يعترض الأخير ولا الحركة الوطنية على بقاء القوات الفرنسية، بل إن بقاءها سيكون بمطلب منهم، شان التدخل الفرنسي والذي كان حسب الرئيس الفرنسي بطلب من الرئيس المالي.
وهذا يلتقي أيضا مع الأهداف المعلنة لتدخل الفرنسي، وهي حسب الرئيس أولاند:" منع تقدم الإسلاميين، ضمان امن مالي، توجيه ضربات جوية لقواعد الإسلاميين، والهدف النهائي الاستعادة الكاملة لمالي وعدم ترك الفوضى وجيوب المقاومة"
استمرار الحرب في مالي ، لا يخدم الأجندة الأمنية للدول المغاربية، خاصة في ظل تنامي التيار السلفي الجهادي في هذه البلدان، الرافض للتدخل الفرنسي ، وهو رفض سيكسب المزيد من المؤيديين في حالة وقوع ضحايا مدنيين، خاصة وان الاتجاه ينحو نحو إعطاء التدخل الفرنسي في مالي طابعا دينيا أو إديولوجيا، وهو ما يستفاد من رفض الرئيس المصري والحركات الإسلامية حتى تلك التي يعتبرها المراقبون معتدلة في البلدان المغاربية له، والكثير من علماء المحسوبين عليها.
إن الدول المغاربية مدعوة إلى الانخراط في الإستراتيجية المرتقبة لما بعد الحرب في مالي، وهذا يتطلب منها اتخاذ موقف موحد حول الأحداث وتطوراتها، والمساهمة بفعالية في رسم مستقبل الحل السياسي والأمني والتنموي في منطقة الساحل، وتحويلها إلى منطقة تعاون مغاربي إفريقي، بدلا من جعلها ساحة لتصفية الحسابات البينية،" كانت تلك هي إستراتيجية القذافي وبعض الأطراف الاستخبارتية في الجزائر" ، الأزمة الحالية هي من ثمار تلك السياسية.
أيا كانت الاستراتيجيات المرسومة للمنطقة فهي لها تأثيرات على المنطقة المغاربية مجتمعة، لعدة أسباب أهمها الارتباطات المذكورة أنفا، إذ لا يخفى تأثير أي تغيرات عسكرية كانت او أمنية أو سياسية في شمال مالي، على الوضع في ثلاثي الجزائر " ولايتي تامراست واليزي تمثل ثلثي الجزائر مساحة وتقع فيها أهم احتياطات الجزائر من النفط و الغاز"، وهي امتداد قبلي وجغرافي لشمال مالي " الازواد"، ونفس الشئ، بالنسبة للجنوب الشرقي لموريتانيا " الحوض" ذو العلاقة الوثيقة بمنطقة تينبكتو عرقيا واقتصاديا، والأمر سيان بنسبة لمنطقة الجنوب الغربي لليبيا، مدن " سبها واوباري وغات واغدامس" حيث تقطن قبائل الطوارق ، وذات ثقل العسكري، وحيث اكبر حوض نفطي في ليبيا.
اما المغرب،فلن نفضح سرا إذا ما قلنا بأن تحمس الخارجية المغربية ،للدفاع عن وحدة مالي في مجلس الامن والملتقيات الدولية، كانت بسبب مخاوف من تأثير انفصال ازواد عن مالي، على مشكلة الجنوب المغربي.