حذرت منظمة العفو الدولية، من التوسع الذي بات يشهده الخطاب الشعبوي عبر عدد من بلدان العالم، والذي يقوم على الكراهية والعنصرية وشيطنة الآخر، باتا بذلك نوعا من السموم ، مما يهدد بانقسام العالم وإنتاج نفس الظروف التي سبقت الحرب العالمية الثانية سنة 1930، منبهة إلى انتشار أجواء من عدم الاستقرار والخوف من المستقبل بل وإمكانية حدوث انهيارات والتي تبدو في الأفق والتي ستدفع إلى الهاوية بمسارات حقوق الإنسان .
وأبدت المنظمة في تقريرها السنوي الذي رصدت فيه أوضاع حقوق الإنسان في 159 بلدا وإقليميا عبرالعالم، قلقها حيال أوضاع حقوق الإنسان في العالم خلال سنة 2016،واصفة إياها بالكارثية ، حيث تعرض أمن البشرية خلال هذه الفترة التي يشملها التقرير للتهديد وقمعت الحريات والحرمان من الحقوق الأساسية وازدادت وطأة القمع والتمييز والإقصاء الاجتماعي، كما استمرت ممارسات التعذيب وعدم احترام الحقوق الجنسية والإنجابية وظاهرة الإفلات من العقاب بالنسبة للجرائم والانتهاكات التي حدثت في الماضي .
وقال محمد السكتاوي المدير العام لمنظمة العفو الدولية ، فرع المغرب، في كلمة تقديمية افتتح بها اللقاء الصحفي الذي خصصته المنظمة لتقديم تقريرها السنوي حول أوضاع حقوق الإنسان، برسم 2016-2017، "إن المنظمة لاحظت خلال رصدها أوضاع حقوق الإنسان بروز اتجاه عالمي متصاعد ممثلا في توسع خطاب شعبوي يتسم بمزيد من الكراهية والتخويف والميل للشقاق، يبدو بشكل جلي من خلال صعود زعماء وساسة يراهنون بسلطتهم المستقبلية على خطاب الخوف والانعزال، ملقين اللوم على " الآخر" في مظالم الناخبين الحقيقية والمصطنعةّ.
واعتبر أن هذا الاتجاه الانحداري المثير للقلق، شجع الكثير من الحكومات على التراجع عن التزاماتها بباحترام حقوق الإنسان، إذ جرى استخدام الأمن على نطاق واسع ذريعة لتبرير القمع، وكان أبرز الحالات، هي تفشي قمع المعارضة في شتى أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إذ تعرض من يعتقد أنهم يشكلون تيارات إسلامية متطرفة، وغيرهم من منتقدي الحكومات ومعارضيها للاعتقال التعسفي والاختفاء القسري، والتعذيب على أيدي قوات الأمن، وفرض الرقابة على وسائل الإعلام والتضييق على حرية التعبير.
وفصل السكتاوي فيما يخص أوضاع حقوق الإنسان في بلدان شمال إفريقيا ممثلة في المغرب،الجزائر وتونس، بالإشارة إلى استمرار التحدي الذي تواجهه حركة حقوق الإنسان في المنطقة، حيث تواصل حكومات هذه البلدان ترجيح المقاربة الأمنية في التعامل مع قضايا حقوق الإنسان، فضلا عن تقييدها وإعاقتها لممارسة الحق في حرية التعبير، وتكوين الجمعيات، والتجمع السلمي، بالإضافة إلى استهداف وسائل التواصل الاجتماعي، وغيرها من سبل كتابة التعليقات على الانترنيت، عن كل ما تعتبره انتقادا مسيئا أو مهينا للسلطات العامة أو الرموز أو الدين.
وقال السكتاوي حول التوصيف الذي يمكن تقديمه بشأن مسار حقوق الإنسان في المغرب، والقضايا التي تحظى بالأولوية لدى المنظمة في رصدها لحقوق الإنسان بالمملكة، خاصة وأنه تم فقط التأكيد في الكلمة التقديمية على التساؤل حول مآل توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة في الجانب المتعلق بعدم الإفلات من العقاب، وموضوع التضييقات التي يتعرض لها المدافعون عن حقوق الإنسان، (قال)"إن المنظمة تطرقت في تقريرها لمختلف المجالات التي ترتبط بوضع حقوق الإنسان في المغرب، حيث شملت بالإضافة إلى حرية التعبير والتضييق الذي شهده تأسيس الجمعيات وتجديد فروع أخرى موجودة، وأوضاع اللاجئين والمهاجرين وحقوق المرأة...".
وسجل في هذا الصدد بإيجابية وبنبرة تعلوها الإشادة "المبادرة التي أطلقها الملك محمد السادس، والتي تهم توسيع عملية منح وضع قانوني للمهاجرين الأفارقة الغير الشرعيين بالمغرب ، لكنه نبه إلى ما رصده المنظمة من إخلال ممثلا في " نوع من استخدام واللجوء إلى العنف المفرط في التعامل مع هؤلاء المهاجرين عند محاولتهم الدخول إلى ثغري سبتة ومليلية ، منبها إلى حدوث ما اعتبره مسألة غير معقولة، ألا وهي قيام السلطات بإحراق مخيمات هؤلاء اللاجئين في منطقة الناظور".
وأوضح فيما يتعلق بالإفلات من العقاب، أن المنظمة اختارت التنبيه إلى نقطة واحدة تعتبره أساسية ألا وهي التساؤل حول مآل توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة وذلك بعد مرور نحو 10 سنوات على صدورها، وهو ما تلخصه المنظمة في مسألة وضع استراتيجية وطنية لمكافحة الإفلات من العقاب".
ولفت السكتاوي إلى أن من بين القضايا التي رصدتها المنظمة ، توجد أيضا مسألة حقوق المرأة، مشيرا أن وضع المرأة في المغرب بالرغم من بعض الإصلاحات المسجلة إلا أنها لازالت تعاني من العنف والتمييز، قائلا" صحيح أن هناك بعض المبادرات التي تم القيام بها من أجل الارتقاء بأوضاع هذه الفئة، مثل قانون عاملات المنازل لكن عند تحديده فترة خمس سنوات كمرحلة انتقالية، فإنه بذلك تم نسف الجوهر والمقصد الحقوقي وراء وضع هذا التشريع".
ومن جانبه لفت صلاح العبدلاوي المدير التنفيذي لمنظمة العفو الدولية ،فرع المغرب، إلى الوضع الذي باتت تشهده مسارات الارتقاء بحقوق الإنسان في العالم ، حيث غابت قيادة عالمية للقيام بذلك وأصبح الأمر موكولا للأفراد للتصدي للنظام العالمي الجديد الذي تُصور فيه حقوق الإنسان باعتبارها عائقاً أمام المصالح الوطنية، وبات يتضاءل فيها على نحو خطير إمكان التصدي للفظائع التي تُرتكب على نطاق واسع، وإمكانية وقوع انتهاكات خطيرة سبق وسجلت في في فترات من تاريخ الإنسانية.
وأشار في هذا الإطار إلى الانتهاكات والتجاوزات التي تطال المدافعين عن حقوق الإنسان، والاتهامات التي تصدرها الحكومات في حقهم بدعوى أنهم يشكلون تهديداً للتنمية الاقتصادية وللأمن ولغيرهما من الأولويات، قائلا" حتى الدول التي كانت تدعي من قبل أنها رائدة في الدفاع عن الحقوق في الخارج أصبحت الآن منهمكةً في الانتقاص من الحقوق الإنسانية لمواطنيها إلى حد يجعلها تحجم عن محاسبة الآخرين. وكلما تزايد عدد الدول التي تتراجع عن التعهدات الأساسية في مجال حقوق الإنسان، كلما تزايدت مخاطر تعرضنا للتداعيات الجسيمة الناجمة عن سياسات قادة يشجعون على التخلي عن أوجه حماية حقوق الإنسان الراسخة".
واعتبر أن العالم حاليا أصبح قائمةً طويلةً من الأزمات، بينما لا تتوفر إرادة سياسية تُذكر للتصدي لها، ومن بينها الأزمات في سوريا واليمن وليبيا وأفغانستان وأمريكا الوسطى وجمهورية إفريقيا الوسطى وبوروندي والعراق وجنوب السودان والسودان. ويوثِّق التقرير السنوي لمنظمة العفو الدولية وقوع جرائم حرب فيما لا يقل عن 23 بلداً خلال عام 2016.
وأشار بالنسبة أوضاع حقوق الإنسان في شمال إفريقيا ، إلى مواصلة السلطات في الجزائر حماية قوات الدولة المسؤولة عن ارتكاب انتهاكات جسيمة في التسعينيات من خلال تجريم الدعوات المطالبة بالعدالة، وتغطية الجرائم التي ارتكبتها جبهة البوليساريو في المخيمات التي تسيطر عليها رغم النداءات المتكررة من طرف المنظمات الحقوقية الدولية وفي مقدمتها منظمة العفو الدولية لمحاسبة المسؤولين عن ارتكاب تلك الجرائم.
فنن العفاني