فشلت المحاولة التاريخية لعقد مجمع كنسي هو الأول منذ أكثر من ألف عام بمشاركة قادة كل الكنائس الأرثوذكسية في العالم ، بعدما ألغى قادة الكنيسة الروسية ذات التأثير الكبير وثلاث كنائس أخرى مشاركتها في اللحظة الأخيرة في المجمع الكنسي بجزيرة كريت اليونانية اليوم الأحد.
وجاء تراجع تلك الكنائس عن المشاركة جاء بسبب خلافات تتعلق بنظام الجلوس في الاجتماع، وكذلك بلورة خطة للتصالح مع الفاتيكان.
"المجمع المقدس"، حال اجتماعه كان ليصبح الاجتماع الأول لقادة الكنائس الأرثوذكسية منذ عام 787. ورغم العوائق التي تواجه الاجتماع، فإن هناك توقعات بإجرائه حتى دون مشاركة الكنيسة الروسية والثلاث كنائس الأخرى، ما يفقد الاجتماع- بحسب مراقبين- هالته الأرثوذكسية.
وكان البطريرك المسكوني بارثولوميو الذي يقيم في إسطنبول، وهو "الأول بين النظراء" منذ أن كانت القسطنطينية مقر الإمبراطورية البيزنطية، هو المحرك الرئيسي للجهود لجمع قادة 14 كنيسة أرثوذكسية مستقلة.
وبدأ الإعداد للقاء منذ نحو 55 عاما، بهدف تعزيز الوحدة بين أكثر من 300 مليون مسيحي أرثوذكسي حول العالم. لكن في الأسابيع الماضية ومع اقتراب موعد عقد المجمع خيمت الكثير من الخلافات التي بدت في البداية تافهة.
قال المتحدث باسم بارثولوميو، القس جون كريسافجيس إن عشرات البطاركة الذين سيشاركون في الاجتماع قد ناقشوا أمس الأول مسألة الخلافات ودعوا باقي الكنائس للمشاركة.
وأضاف المتحدث باسم البطريرك المسكوني أن الاجتماع سوف يعقد أيضا حتى دون حضور الكنائس التي ألغت مشاركتها، مشيرا إلى أن القرارات التي سيتخذها "المجمع المقدس" ستكون ملزمة وتسري على الجميع، الأمر الذي يتوقع أن ترفضه موسكو.
ورغم دعوات الوحدة، أكد البطريرك الروسي كيريل عدة مرات أن كنيسته لن تشارك في القمة، وقال إنه ينظر إليها كعملية إعداد لـ"سينودس" (لجنة كنسية كبيرة) لتوحيد جميع الكنائس.
هذا الكلام من شأنه أن يحدث مزيدا من الشروخ في العلاقة الهشة بين غالبية الكنائس. فعلى عكس الكنيسة الكاثوليكية، فإن الكنائس الأرثوذكسية مستقلة ولكل واحدة منها قيادة خاصة بها. كذلك تختلف الأولويات فيما بينها: بعض الكنائس ذهبت في السنوات الماضية في اتجاهات منغلقة وقومية، وأخرى أصبحت أكثر ليبرالية في محاولة لجذب المؤمنين في عصر ينظر للمسيحية كعقيدة محافظة تتشبث بتقاليد عمرها قرون، وفقا لتقرير "هآرتس".
كذلك فإن اجتماع قادة الكنائس كان يهدف أيضا إلى تحفيز تجدد الاهتمام بالدين بين المؤمنين الذين يعيشون في طوائف منفصلة في أنحاء العالم.
لكن في وسط الخلاف يقف الصراع من أجل التأثير على المسيحيين الأرثوذكس، بين الكنيسة الروسية الكبيرة، التي تمثل أكثر من 100 مليون مسيحي، والبطريكية العامة لكن الأصغر، في تركيا.
ونقلت الصحيفة عن "رومان سيلانتيف" الخبير في القضية من موسكو قوله:”الكنيسة الروسية الأرثوذكسية وحلفاؤها في صعود، ووضعها يسمح لها بالاعتراض على الحلول الوسطية".
وقال "أندريي دسنيتكسي"، محلل آخر من موسكو إن الخلاف يعكس توترا امتد لسنوات بين البطريكية في تركيا وكنيسة موسكو، معتبرا أن كل الخلاف التي تتعلق بالسياسات تمثل خصومة ناعمة بين الجانبين.
أحد نقاط الخلاف المبدئية حول "المجمع" تتعلق بنظام الجلوس. وفقا لتقارير مختلفة اعترضت الكنيسة الروسية بشدة على جلوس البطريرك المسكوني على رأس المائدة ورأت في ذلك نوعا من استعراض القوة.
وبناء على ذلك، طالبت موسكو والكنيسة الأرثوذكسية البلغارية المشاركين بالجلوس حول مائدة مستديرة. لكن وبعد حل هذه المسألة ظهرت مشاكل أخرى أكثر صعوبة.
كانت الكنيسة البلغارية أول من أعلن انسحابه، مشيرة إلى غياب القضايا الهامة على جدول أعمال الاجتماع. وأعلن بطريرك أنطكية المقيم في دمشق عدم مشاركته إلا بعد حل خلافات مستمرة بينه وبين بطريرك القدس، تتعلق بتبعية المسيحيين في دولة قطر.
بعد ذلك بوقت قصير أعلنت الكنيسة الجورجية عن انسحابها من الاجتماع. وهناك في الكنيسة الروسية من ينظرون بريبة لنوايا البطريرك المسكوني. ويتخوف هؤلاء من أن يمهد المجمع في كريت والمقرر أن يستمر أسبوع بدء من الأحد 19 يونيو الطريق لتوطيد العلاقات مع الفاتيكان والمؤمنين البروتستانت- وهو ما يعارضونه بشدة.