عثمان مودن
رئيس منتدى الباحثين بوزارة الإقتصاد والمالية
إن ما يجري داخل دواليب الكثير من مؤسساتنا ووزاراتنا من سوء تسيير ومظاهر فساد،لا يقتصر فهمه على إدراك الواقع الداخلي فقط،بل يقتضي ربطه،بسياق أكبر وهو السياق الدولي. وليسمح لنا "جان زيغلر" أن نستعين بكتابه " سادة العالم الجدد" لتفسير جزء من الواقع الذي يعيشه بلدنا الحبيب.
إن ما نشاهده من مظاهر سوء تسيير والفساد المستشري داخل العديد من الوزارات والتي برز كنموذج منها وزارة الشباب والرياضة – ليس تحاملا عن أحد ولكن نتيجة الفضائح التي تعرفها-والتي كان من تمظهراته فضيحة كبرى شاهدها العالم يوم السبت 13 دجنبر 2014 أساءت للمغرب والمغاربة،وألحقت ضررا بالصورة التي ظل المغرب والمغاربة،بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس،يحاولون تسويقها عن هذا البلد طيلة أزيد من 15 سنة.
حيث أن كل مابنيناه ،كانت لحظة واحدة كافية لتدميره،ولنظهر كبلد يغرق في التخلف ونصير أضحوكة للإخوة قبل الأعداء،لحظة غابت فيها روح المسؤولية،وحب الوطن عن المسؤولين بوزارة الشباب والرياضة،لحظة صنعناها بأيدينا ومنحناها لحساد هذا البلد ليتهكموا علينا،لحظة إختلط فيها الفساد بغياب روح المسؤولية والغيرة عن سمعة الوطن؟
بالعودة إلى كتاب جان زيغلر"سادة العالم الجدد" نجده يتحدث فيه عن دور الشركات المتعددة الجنسيات في الإقتصاد العالمي،حيث يعطي للفساد بعدا دوليا يتجاوز الحدود الوطنية،هذا الفساد ترعاه الشركات الكبرى عبر ما تقوم به من ممارسات لتمرير صفقات وعقود حول العالم وشراء لذمم المسؤولين السياسيين في بلدان العالم الثالث،ويشير جان زيغلر إلى تقرير للجنة حقوق الإنسان للأمم المتحدة أعد سنة 2000 بعنوان" الجدل المؤسسي حول التجارة الدولية والإسثتمار الدولي والمالية الدولية" جاء فيه أن منظمة التجارة العالمية بكاملها واقعة تحث نفوذ الشركات الخاصة العابرة للقارات.
فهل المسؤولون في وزارة الشباب والرياضة وقعوا تحث تأتير نفوذ الشركات الكبرى؟هنا يحق لنا في حالتنا هاته أن نتساءل عن الكيفية التي تم بها تفويت الصفقات المرتبطة بكأس العالم للأندية،وعن جنسية الشركات ،وعن المساهمين فيها؟وعن المسؤولين المحتمل أن يكونوا قد استفادوا بشكل مباشر أو غير مباشر من هذه الصفقات؟وكيف السبيل للحيلولة دون تكرار هذه الممارسات في قطاعات أخرى؟وما الضامن أن لا يقع مسئولون آخرون في فخ إغراءات هذه الشركات الكبرى،مجرد أسئلة لاغير؟؟
إن ربط المسؤولية بالمحاسبة،التي تحدت عنها صاحب الجلالة غير ما مرة في خطاباته هي الحل،وإن المطالبة برحيل السيد وزير الشباب والرياضة، وحثى إن كان البعض يعتبره غير مسؤول عن الفضيحة التي حدثت،وحتى وإن لم يكشف التحقيق عن تورطه في أية شبهة فساد ،تبقى مطالبة مبنية على أساس المسؤولية الأخلاقية والسياسية،وتحتم عليه تقديم استقالته التلقائية قبل إقالته،لأنه عجز عن إدارة قطاع يخضع لإشرافه،والتحكم في مسؤولين تابعين له،وعجز عن كشف مظاهر الفساد والفاسدين داخل وزارته،والمتواجدين في كل الوزارات،وهم ما يمكن تسميتهم ب " سادة الفساد الجدد " .
و يبدو أننا سنظل ننتظر الإرادة الإلهية دائما لتكشف لنا سادة الفساد في هذا البلد،في غياب الإرادة السياسية لدى الحكومة،-مادامت الحكومة اعتبرت ماحذت ليس بكارثة-فإذا كانت جل البلدان المتقدمة تتعاقد مع مكاتب دراسات لتقييم سياستها العمومية،فإننا في المغرب-بتعبير أحد الزملاء- لا نحتاج لذلك مادام الإرادة الإلهية المتمثلة في الأمطار تتولى عملية التقييم هاته؟
يجب أن تكون حالة المركب الرياضي الأمير مولاي عبد الله بالرباط هي الإنطلاقة لمغرب جديد يربط المسؤولية بالمحاسبة ولا ينبغي أن تمر هذه الفضيحة دون تقديم المسؤولين عنها للمحاسبة وتوقيع الجزاء الذي يستحقونه حتى يكونوا عبرة لمن سولت له نفسه يوما التلاعب بأموال الدولة،والإساءة للوطن،إن فضيحة مثل هذه ليست مجرد فساد عادي،بل أكبر من ذلك إنها تآمر على مصالح الوطن وهي التهمة التي يجب أن يتابع بها المسؤولون عن هذه الفضيحة،حثى نتأكد من أن الدولة لها إرادة في مواجهة سادة الفساد الجدد.
هذه الإرادة تبدو أنها متوفرة فقط لدى المؤسسة الملكية،التي تفاعلت مع ردود أفعال الشعب المغربي،أما الحكومة فيبدو أنها وقفت في مرحلة ترديد الشعارات فقط،ولربما تصبح هذه الحكومة مع الوقت هي حامية سادة الفساد .