اليازمي يهاجم القانون المغربي ويحمله مسؤولية تدهور مستشفيات الأمراض العقلية
أفصح التقرير الأولي الذي أنجزه المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول وضعية المؤسسات الاستشفائية المكلفة بالوقاية من الأمراض العقلية ومعالجتها عن أوضاع كارثية بهذه المؤسسات، وخاصة مستشفى برشيد الذي طالب بشأنه بتشكيل لجنة مختلطة لدراسة حالته في كافة أبعادها.
وكشف المجلس بأن المؤسسات الاسشفائية للأمراض العقلية يطبعها اختلال كبير على مستوى مختلف الجوانب سواء تعلق الأمر بالبنيات الاستشفائية ذاتها أو الإطار القانوني المنظم لها ، أو التسيير غير الملائم لطبيعة مهمتها، فضلا عن فقدان الأمن والخصاص المسجل في الأطر الطبية وشبه الطبية المؤهلة في هذا الاختصاص.
وحمل ادريس اليازمي رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان خلال ندوة صحفية نظمها المجلس الثلاثاء خصصت لتقديم موجز عن هذا التقرير الأولي، المسؤولية في جزء منها إلى القانون المتعلق بالوقاية من الأمراض العقلية وبحماية المرضى المصابين بها ومعالجتهم الصادر بتاريخ 30 أبريل 1959 والجاري به العمل إلى حدود اليوم، إذ أكد أن هذا النص يسفح المجال للعديد من التجاوزات بالمؤسسات الاستشفائية الخاصة بهؤلاء المرضى.
وشدد اليازمي في هذا الإطار على استعجالية وضرورة تغيير القانون السالف الذكر الذي كان رائدا وشكل على مدى سنوات تقدما هائلا ومكسبا إلا أنه أصبح متقادما ويسفح المجال للعديد من التجاوزات،مشيرا إلى أن مصالح وزارة الصحة أعدت حاليا مسودة قانون بديل لكن رغم أهميته وقيمته، فإن النص الجديد يجب أن يكون ثمرة مشاورات ونقاش عمومي وطني واسع يضم مختلف المتدخلين والمعنيين، وعلى ضرورة أن يندرج ذلك في سياق سياسة استراتيجية للصحة العقلية تنهل أسسها من مبادئ حقوق الإنسان، يقول المتحدث.
ودعا رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان وزارة الصحة إلى التبني العاجل لسياسة عمومية للصحة العقلية متكاملة وواضحة الأهداف، دقيقة في وسائلها وتطورية في أدواتها، هذا مع اتخاذ مجمل التدابير الاستعجالية التي دعا التقرير الأولي إلى اتخاذها والتي تخص الاستمرار في إحداث مصالح للطب النفسي بالمستشفيات العمومية عبر مختلف مناطق المغرب خاصة تلك التي في حاجة إليها، وحل مشكل جناح النساء بمستشفى تطوان، والذي يمس بكرامة وحرمة نزيلاته، وترميم البنيات الموجودة والتي تعرف حالة من التدهور الجلي والانهيار الوشيك خاصة بمدن آسفي ،مكناس وخريبكة.
وفي تشريحه لوضعية المؤسسات الاستشفائية لمعالجة الأمراض العقلية التي قامت اللجنة التابعة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان بزيارة استطلاعية وتحر همت عشرين من بين 27 مؤسسة عمومية يتوفر عليها المغرب، وذلك في الفترة الفاصلة ما بين 27 مارس و6 يوليوز من هذه السنة، أشار رئيس المجلس الوطني إلى وجود سبعة اختلالات أساسية تطبع هذه المؤسسات، فالحالة المزرية لأغلبية هذه المؤسسات الاستشفائية تعود بشكل واضح إلى بنيتها الهندسية ، حيث أن شكل البناء شيد دون مراعاة لطبيعة المرضى ، هذا فضلا عن وجود تمييز في انتشار وتوزيع هذه البنيات الاستشفائية جغرافيا، حيث أن أغلبها يتمركز بالمحور الممتد بين الرباط والجديدة، مع تسجيله لنقص حاد في الموارد البشرية وتوزيعها غير العادل وغير المتوازن بين الجهات حيث أن 54 في المائة منها توجد بمحور الدار البيضاء الرباط.
على أن أحد الاختلالات الأساسية التي تمس بمهمة هذه المؤسسات تتحدد في غياب آليات لمراقبتها، وهي مسؤولية حسب اعتقاد المتحدث تتحملها وزارة العدل، مبرزا أن التقارير التي يتم إنجازها أحيانا حول هذه البنيات تطبعها السطحية.
هذا ولم يفصح التقرير عن إحصائيات تخص عدد المرضى الذين يوجدون المؤسسات الاسشفائية للأمراض العقلية، واكتفى رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان في رده على سؤال لبيان اليوم،بالقول على أن الأمراض العقلية ما فتئ يتزايد انتشارها، محذرا من عدم وجود أطباء نفسانيين بالمؤسسات التعليمية والتي من شأن تواجدهم أن يحد من توسع انتشار الإصابة بالمرض العقلي الذي له تأثير وانعكاسات خطيرة على الاقتصاد والمجتمع .
فيما أكد الدكتور عمر بطاس عضو المجلس الذي تكلف بتقديم وشرح مضامين التقرير الأولي الذي أعده المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول مؤسسات المرضى المصابين بالأمراض العقلية، أن المرضى المحالين على هذه المؤسسات غالبا ما يتم ذلك من طرف العائلات ، نافيا بذلك وبشكل ضمني أن تكون السلطات العمومية تقوم بذلك.
كما نفى ذات المتحدث أن تكون لجنة المجلس قد وقفت على حالات تعذيب للمرضى بهذه المؤسسات، مؤكدا على الظروف الصعبة التي يمارس فيها العاملون من أطباء وممرضين وممرضات وأطر شبه طبية مهامهم، واصفا البنيات الاستشفائية الخاصة بالأمراض العقلية بأنها بمثابة سجون.
وأشار بخصوص الموارد البشرية إلى أن النقص الهائل الذي يشكو منه القطاع، حيث أن القطاع العمومي يضم 172 طبيبا نفسانيا و740 ممرضا في الطب النفسي ، فيما القطاع الخاص يضم 131 طبيبا نفسانيا،مبرزا أن المغرب في هذا الصدد بعيد عن الاستجابة للمعايير المقررة والمعترف بها على الصعيد العالمي في هذا المجال.
وأبرز من جانب آخر إلى أن الطبيعة الهشة لهؤلاء المرضى وتعقد المساطر بالنسبة للمتهمين المصابين والذين يتواجدون بالسجون ويستوجب أن تتم إحالتهم من طرف القضاء على هذه المؤسسات، مما يجعل أن عددا من السجون المغربية تضم أكثر من 2200 معتقل مصاب بمرض عقلي.
وأفاد بخصوص المرجعيات التي تم اعتمادها لإقدام المجلس على القيام بهذه الزيارات الاستطلاعية لهذه المؤسسات،إلى أن الأمر يتعلق في البداية بممارسة المجلس لاختصاصاته في مجال حماية حقوق الإنسان لاسيما تلك الخاصة بزيارة المؤسسات الاستشفائية الخاصة بمعالجة الأمراض العقلية والنفسية وكذا اختصاصاته في مجال ملاءمة الإطار التشريعي الوطني مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان ،مشيرا إلى أن المعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وبالقانون الدولي الإنساني التي صادقت عليها المملكة أو انضمت إليها وكذا في ضوء الملاحظات الختامية والتوصيات الصادرة عن أجهزة المعاهدات الأممية تحتم ذلك.
وأوضح بأنه بناء على ذلك فإن التقرير المنجز ارتكز بالأساس على المرجعية الدولية المتعلقة بالصحة العقلية، منها على الخصوص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والاتفاقية الدولية لحقوق الطفل واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال الميز العنصري والاتفاقية الدولية للأشخاص في وضعية إعاقة.
ويشار إلى أن البنيات الاستشفائية التي زارتها لجنة المجلس الوطني لحقوق الإنسان همت مستشفى الأمراض العقلية بكل من برشيد، تيط مليل، بوافي بالدار البيضاء والمركز الاستشفائي الجامعي بنفس المدنية، مصلحة الطب النفسي للأطفال بالمركز الاستشفائي الجامعي بالدار البيضاء ، آسفي ومراكش(مستشفى ابن النفيس، ومستشفى سعادة)، بني ملال ،خريبكة ، مكناس ،فاس ،طنجة، مركز أكدال لليافعين بالرباط، تطوان، إنزكان، تارودانت، العيون، الحسيمة، وورزازات.
ف ع