أكد الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة الذكرى التاسعة و الثلاثين للمسيرة الخضراء، أن الجهوية التي يسعى اليها المغرب ليست مجرد نصوص قانونية و اختصاصات، و إنما تتجاوز ذلك لتنبني على الغيرة الوطنية الصادقة على الوحدة الترابية للمملكة.
و اعتبر الملك محمد السادس أن المغرب الغني بمكوناته، كان دائما بعيدا عن التعصب، مضيفا أن هذا التنوع لم يكن قط في الماضي مصدرا للتفرقة او الانفصال. و اعتبر ملك المغرب، أن الصحراء لم تكن قضية الصحراويين فقط، فالكل ساهم في الدفاع عنها. كما أنه لا وجود لصحراوي قح كما يدعي دعاة الانفصال. و من هنا فكل المغاربة سواسية، فلا فرق بين هذا و ذلك. و هي رسالة واضحة لمن يلعبون على النعرات المحلية في الشمال و الجنوب للاستغلال السياسي الضيق.
و اعتبر الملك محمد السادس في جيل جديد من الخطابات بعيدة كل البعد عن الاحتفالية و التمجيد، أن قضية الصحراء ليست قضية حدود بل قضية وجود. فواهم من يعتقد أن المناورات تحت أي مسمى من نوعه ستربك ثقة المغرب في حقه المشروع.
لا لاقتصاد الريع نعم للتنمية المستدامة
و فند الملك محمد السادس ما يروج من كون المغرب ينهب ثروات الصحراء مدليا بالأرقام و بالدليل القاطع أن المغرب ينفق أضعاف ما يجني من الصحراء :" فمنذ استرجاعها، مقابل كل درهم من مداخيل المنطقة، يستثمر المغرب في صحرائه 7 دراهم، في إطار التضامن بين الجهات، وبين أبناء الوطن الواحد. كما أن مؤشرات التنمية البشرية بالمنطقة، سنة 1975، كانت أقل ب 6 بالمائة من جهات شمال المغرب، وب 51 بالمائة مقارنة بإسبانيا".
وأبرز الملك أنه "من المعروف أن ما تنتجه الصحراء لا يكفي حتى لسد الحاجيات الأساسية لسكانها. وأقولها بكل صراحة: المغاربة تحملوا تكاليف تنمية الأقاليم الجنوبية. لقد أعطوا من جيوبهم، ومن رزق أولادهم، ومن أرواحهم ليعيش إخوانهم في الجنوب، في ظل الكرامة الإنسانية"، مشددا على أن "الكل يعرف أن المغرب حريص على استفادة سكان المنطقة من ثرواتها، في ظل تكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية".
و دعا محمد السادس لإعادة النظر في تدبير ملف الثروات في الصحراء"إنصافا لكل أبناء الصحراء، وللأغلبية الصامتة التي تؤمن بوحدة الوطن"، و لذلك هناك دعوة لإعادة النظر جذريا في نمط الحكامة بأقاليمنا الجنوبية.
استغلال ملف حقوق الإنسان لترويج الأباطيل
و كشف خطاب الملك عن استغلال الطرف الآخر لشعارات حقوق الإنسان للتمويه و خلق البلبلة في المنطقة ، مؤكدا في هذا الصدد "فمتى كان ترهيب المواطنين، وتخريب ممتلكاتهم، التي اكتسبوها بجهدهم وعرق جبينهم، حقا من حقوق الإنسان، ومتى كان الإخلال بالأمن العام، وتدمير الممتلكات العمومية، يدخل في إطار ممارسة الحقوق والحريات".
و شدد الملك محمد السادس على ذلك قائلا : "كفى من المزايدات على المغرب. وكفى من استغلال فضاء الحقوق والحريات، التي يوفرها الوطن، للتآمر عليه. إن المغرب يتوفر على آلياته ومؤسساته الخاصة، المشهود لها دوليا بالالتزام والمصداقية، لمعالجة كل القضايا المرتبطة بحقوق الإنسان. والمغرب هو البلد الوحيد بالمنطقة، الذي يتعاون مع الآليات الخاصة للمجلس الأممي لحقوق الإنسان".
كما كشف أن المغرب يبقى مستعد للانفتاح أكثر على مختلف الهيئات والمنظمات الحقوقية الدولية، التي تعتمد الحياد والموضوعية، في التعامل مع قضاياه. والمغرب يرفض سياسة تبخيس مبادراته، وتضخيم الأحداث التي تقع بالأقاليم الجنوبية، مقابل الصمت والتواطؤ، تجاه ما يقع في تندوف، وفي بلدان الجوار.
و شدد محمد السادس على ان المغرب "حين فتح باب التفاوض، من أجل إيجاد حل نهائي للنزاع المفتعل حول صحرائه، فإن ذلك لم يكن قطعا، ولن يكون أبدا حول سيادته ووحدته الترابية".
و أكد ملك المغرب أن سيادة المغرب، على كامل أراضيه ثابتة، وغير قابلة للتصرف أو المساومة. كما أن اختيار المغرب للتعاون، مع جميع الأطراف، بصدق وحسن نية، لا ينبغي فهمه على أنه ضعف، أو اتخاذه كدافع لطلب المزيد من التنازلات. فمبادرة الحكم الذاتي، هي أقصى ما يمكن أن يقدمه المغرب، في إطار التفاوض، من أجل إيجاد حل نهائي، لهذا النزاع الإقليمي. و جدد محمد السادس رفض المغرب القاطع لأي محاولة لمراجعة مبادئ ومعايير التفاوض، ولأي محاولة لإعادة النظر، في مهام المينورسو أو توسيعها، بما في ذلك مسألة مراقبة حقوق الإنسان. كما جدد الرفض لمحاباة الطرف الحقيقي في هذا النزاع، وتمليصه من مسؤولياته ولا لإعطاء الشرعية لحالة انعدام القانون بتندوف.
و انتقد محمد السادس انزلاق بعض الإطراف في القضية و اعتمادها على المزاجية و الذاتية أحيانا مضيفا "فسيادة المغرب لا يمكن أن تكون رهينة، لأفكار إيديولوجية، وتوجهات نمطية لبعض الموظفين الدوليين. وأي انزلاقات أو مغالطات، سترهن عمل الأمم المتحدة في هذه القضية".
و اعتبر ملاحظون أن خطاب محمد السادس جاء مركزا و هادفا بمصطلحات مضبوطة يفهمها جيدا المعنيون بالأمر، كما حمل رسالة واضحة لما هو مقبل من الأيام بالأمم المتحدة حول الملف التي جعل منه البعض حجر عثرة لتبقى المنطقة رهينة الجمود .