الرباط: عبد الله الشرقاوي
اكتسح المتهمون في ملف حجز 6 أطنان و370 كلغ من الشيرا بميناء طنجة المتوسط، الفضاء الخاص لجلوس المحامين بقاعة جرائم الأموال بمحكمة الاستئناف في الرباط، حيث إن جناح هذه القاعة على يمين رئيس الهيئة القضائية كان ممتلئا عن آخره ومطوقا ب 13 عنصرا من رجال الأمن لحراسة 45 متهما، الشيء الذي يعقد وضعية مهام رجال الأمن في بناية لا تستجيب أصلا للمعايير الأمنية لتحرك المعتقلين ولنقلهم إلى قاعات الجلسات، باستثناء القاعة رقم واحد والقاعة المجاورة لها نسبيا، باعتبار من جهة أن البناية كانت مخصصة كمقر للمحكمة التجارية بالرباط، ومن جهة ثانية أن قضايا الاعتقال كانت تعرض بملحقة هذه المحكمة بسلا، إلا أنه تقرر نقلها إلى المقر الرئيسي بحي الرياض، باستثناء قضايا مكافحة الإرهاب التي ما زالت تعرض بملحقة سلا لقربها من السجن المحلي بسلا 2.
وعودة إلى أطوار جلسة مساء يوم الاثنين 12 مارس 2018 فقد انطلقت هيئة غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئنافية الرباط (قسم جرائم الأموال) في مناقشة الدفوع الشكلية، بعد توالي عدة جلسات تقرر فيها ضم ملف الأمنيين المتابعين ضمن 26 متهما إلى ملف أصلي متابع فيه 19 ظنينا، كانوا قد أحيلوا على القضاء الجالس منذ أكثر من سنة بعد تحريك المسطرة في حقهم سنة 2016، والذين ظلت نازلتهم تتأخر، حيث الحق بهم الملف الثاني، علما أن الشطر الثالث منه عرض على قاضي التحقيق بذات المحكمة يوم 22 يناير 2018، والذي استمع ابتدائيا إلى 24 دركيا، يوجد من بينهم مسؤولون كبار برتب مختلفة، حيث أودع 18 منهم رهن الاعتقال الاحتياطي بسجن العرجات، و6 قيد الوضع تحت المراقبة القضائية.
إذن بعد مناداة رئيس الهيئة القضائية على المتهمين، وأداء المترجم القسم «اليمين القانونية» لترجمة ما يروج لظنين إسباني، وتقديم ممثل إدارة الجمارك لباقي طلباته، أعطيت الكلمة لدفاع بعض المتهمين، وأساسا من رجال الأمن المتابعين، في إطار الدفوع الشكلية، بعدما التمس محامون آخرون تأخير مرافعاتهم، لكونهم ما زالوا لم يطلعوا على جميع وثائق الملف رغم ترددهم على كتابة الضبط أكثر من مرة، مما جعل رئيس الهيئة يؤكد أن كل شيء يناقش في جلسة علنية وليست هناك أية سرية.
وتمحورت الدفوع الشكلية للمحامين حول خرق مجموعة من مواد قانون المسطرة الجنائية، وهي خروقات اعتبر أنها توجب بطلان محاضر الشرطة القضائية، مع رفع حالة الاعتقال موكليه، ومحاكمتهم في حالة سراح مؤقت، خاصة وأن المقتضيات الزجرية لا يمكن التوسع فيها وتفسيرها يكون بشكل ضيق، حيث ناقش الدفاع المواد المؤطرة لعمل الشرطة القضائية، بدءا من المادة 18 و21 و23 و24، وانعدام حالة التلبس، طبقا للمادتين 56 و57، خصوصا في ظل انتفاء الوقائع المتلبس بها، وطبيعة التهم المتابع بها متهم، كحالة رئيس مفوضية أمن بأكادير، الذي بقي يمارس مهامه إلى غاية يوم 19/7/2017، بعد الاستماع إليه بتاريخ 11/5/2016، حيث فوجئ باعتقاله رغم انتفاء حالة التلبس....
وتركزت مرافعة أغلب المحامين المتدخلين حول خرق مسطرة الامتياز القضائي، الواردة في الباب الثاني من قانون المسطرة الجنائية تحت عنون: «قواعد الاختصاص الاستثنائية»، انطلاقا من المادة 268، التي منحت الامتياز القضائي لفئة من الموظفين لحماية صفتهم، وليس شخصهم من قبيل « باشا، أو خليفة أول عامل، أو رئيس دائرة، أو قائد، أو ضابط شرطة قضائية من غير القضاة المشار إليهم في المواد السابقة ارتكابه لجناية أو جنحة أثناء مزاولة مهامه، حيث إن «الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف المعروضة عليه القضية من طرف الوكيل العام للملك، يقرر ما إذا كان يقتضي الأمر إجراء البحث وفي حالة الإيجاب يعين مستشاراً مكلفاً بالتحقيق بمحكمته».
في هذا الصدد أشار محامي إلى أن المشرع المغربي ميز بين مصطلح «البحث» الموكول للمستشار يعينه رئيس الأول لمحكمة الاستئناف، و»التحقيق» المعهود لقاضي التحقيق كجهاز مستقل معين من طرف جهة أخرى، مذكرا بقرار محكمة الاستئناف بالرباط في ملف «الجبلية، حيث برأ رئيس غرفة الجنايات الاستئنافية، الأستاذ الفقير، عميد شرطة قضائية بسلا وضباط كانوا يشتغلون معه، وذلك لخرق «قواعد الاختصاص الاستثنائية»، كما أدلى الدفاع بقرار زكته محكمة النقض، والصادر عن استئنافية الدار البيضاء يوم 5/5/2015، في الملف عدد 2331/2012/14.
وتساءل الدفاع بقوله كيف يمكن لضابط شرطة ممتاز أن يستمع لعميد أمن إقليمي كان يشغل منصب رئيس أمن المضيق؟ كيف يمكن أن نطمئن لهذا النوع من البحث؟ هل يمكن أن يكون هناك انتقام ؟، مضيفا أن هناك 3 جهات تحيل على غرفة الجنايات، الأولى تهم الوكيل العام، والثانية الغرفة الجنحية، والثالثة قاضي التحقيق، الذي هو غير مؤهل للتحقيق في هذه النازلة، والذي أكد في ديباجة قرار إحالته أنه اعتمد على محاضر الشرطة القضائية، التي هي باطلة....
كما سجل الدفاع خرق المادة 211 الموجبة للبطلان، والتي اعتبارها من النظام العام، ولا يمكن القفز عليها، وإثارتها في كل مراحل التقاضي، مؤكدا أن الشرطة القضائية، المجسدة في المكتب المركزي للأبحاث القضائية تجاوز ضباطه المكلفين بالبحث السلطات المخصصة لهم، سواء حين خرقهم مسطرة الامتياز القضائي، أو تقمصهم دور السلطة القضائية إبان الإشارة مثلا في المحضر إلى الجملة التالية: «الشيء الذي يؤكد ضلوع المتهم في هذا النشاط».....
وتنص المادة 211 على ما يلي:
«إذا ظهر لقاضي التحقيق أن إجراءًا من إجراءات التحقيق معرض للبطلان، فعليه أن يحيله إلى الغرفة الجنحية للبت فيه بعد استشارة النيابة العامة وإخبار المتهم والطرف المدني.
إذا ظهر للنيابة العامة أو للمتهم أو للطرف المدني أن إجراءًا مشوبا بالبطلان قد اتخذ، فلهم أن يطلبوا من قاضي التحقيق أن يوجه ملف الدعوى إلى النيابة العامة لإحالته إلى الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف رفقة الطلب الذي يبينون فيه أسباب البطلان خلال خمسة أيام.
تقرر هذه الغرفة ما إذا كان يجب أن يقتصر البطلان على الإجراء المقصود أو يمتد كلا أو بعضا للإجراءات اللاحقة».
وستواصل الهيئة القضائية الاستماع لباقي دفاع المتهمين في جلسة مقبلة، والتي كانت تتشكل من الأساتذة: محمد كشتيل: رئيسا، ورشيد وظيفي، والجيلالي بوحبص: مستشارين، وعبدالسلام العناز: ممثلا للنيابة العامة، والتاقي : كاتبا للضبط.
وأشارت مصادر أمنية إلى أن معلومات كشفت عن وجود شبكة لتهريب المخدرات على الصعيد الدولي، انطلاقا من المغرب اتجاه أوروبا عبر وسائل نقل بعد دَسِّ المخدرات في بعض البضائع كالأسماك، وأن الأبحاث انصبت حول مدى تورط أفراد العصابة في تقديم مبالغ مالية لجهات إدارية مقابل التغاضي عن أنشطتهم المحظورة، بعد اكتشاف نازلة تهريب 6 أطنان من المخدرات عبر الميناء المتوسطي، إضافة إلى حجز وثائق مزورة وسلاح ناري من عيار 9 ملم و 13 خرطوشة، تبعا لمصدر أمني.
ويوجد من بين المتابعين مغربيان يحاملان الجنسية الهولندية، واحد تاجر، والآخر موظف بهولندا، ورجل سلطة سابق، و16 موظفا بالمديرية العامة للأمن الوطني برتب عمداء شرطة وضباط شرطة، وكذا عون سلطة برتبة شيخ حضري، وجمركي، وإسباني، ومسيري شركات وحارس ليلي، وفلاحون، ومساعد تاجر، والذين وجهت لبعضهم تهم الرشوة عن طريق تسلم مبالغ مالية للقيام بأعمال غير مشروع من أعمال الوظيفة، والتستر على مجرم مبحوث عنه، وإفشاء السر المهني، والمشاركة في نقل وتصدير المخدرات والحيازة غير المبررة للمخدرات والمواد المخدرة، إضافة إلى تقديم هبة بقصد الامتناع عن القيام بعمل ونقل المخدرات ومسكها والاتجار فيها وتسهيل استعمالها للغير... إلخ.