عكس ما تم تداوله على نطاق واسع في العديد من الاوساط السياسية و الاعلامية المُهتمة بقضية الصحراء المغربية من ان العاهل المغربي لن يقوم باستقبال المبعوث الشخصي للامين العام للأمم المُتحدة٬ استقبل الملك محمد السادس٬ عكس التكهنات٬ السيد كريستوفر روس في مكتبه الشخصي في القصر الملكي بالرباط. المثير للانتباه في ذات الاستقبال الملكي من خلال ايحاءات قسمات مُحيى الملك هو الابتسامة البشوشة و العفوية التي بدا بها العاهل المغربي و هو يجتذب اطراف الحديث مع الدبلوماسي الاممي بينما الاخير ظلًّ يُصغي بتحفُظ و وقار و بتٲن للملك و كأنه لم يكن يتوقَّع البتة الاستقبال الملكي. ممَّا يُعطي الانطباع على ان كريستوفر روس بدا و كأنه مُتأثر و مُتأسف على ما يبدو على ما ورد في تقريره الذي جعل الرباط تطعن بقرار سيادي في حياده.
بعيدا عن نسبية اللغة الانطباعية و العاطفية٬ يمكن القول بلغة الواقعية٬ ان الاستقبال الملكي للمبعوث الاممي كان حكيما و سديدا و يُزكي تشبث المغرب بتعهداته امام المنتظم الدولي و التزامه بمسلسل المفاوضات الذي تُشرف عليه الامم المُتًحدة لإيجاد حل لنزاع الصحراء المُفتعل. كما يُعتبر ايضا قرارا شجاعا من المغرب المُؤمن بفضيلة التفاوض و بالحل السياسي و التفاوضي و اعطاءه الدليل القاطع بأنه لا يعمل على شَخصنة القضايا السياسية كما فعل الانفصاليون مع المبعوث الهولندي فان والسون الذي قاطعوه بمجرد اختلافه معهم و تأكيده ان اطروحاتهم غير واقعية.
من وجهة نظر القراءة السياسية٬ يُعتبر في تقديري الشخصي و المُتواضع٬ الاستقبال الملكي للدبلوماسي الاممي الذي جاء بعد رفع المغرب تحفظه على كريستوفر روس جرَّاء التزام الامم المتحدة بتسوية النزاع على أساس المحددات الواردة في قرارات مجلس الأمن٬ انتصار للموقف المغربي الذي وقف بحزم من أجل إنصافه لما تضمًّنه تقرير روس خارج قرارات مجلس الامن. الشيء الذي اعتبره اعتراف بصواب الموقف المغربي بسحب الثقة من المبعوث الاممي و هذا يعني فيما يعنيه لدى الساسة و الدبلوماسيين٬ ضرورة التزام كريستوفر روس في مساعيه لإيجاد حل للنزاع المُفتعل بالواقعية السياسية مع الٲخد بعين الاعتبار بجدية ومصداقية الجهود التي بذلها و ما زال يبذلها المغرب. و هذا في إطار مبادرة الحكم الذاتي الجريئة التي تقدَّم بها سنة 2007.
امَّا بالواقعية السياسية فٳن استقبال المبعوث الاممي من طرف اعلى سلطة في المملكة فيُعتبر جوابا على ان المغرب مُتشبت بأمرين اثنين. أولهما إيجاد حل سياسي تحت مظلَّة الامم المُتَّحدة في اطار تحلي المبعوث الشخصي للأمين العام بالحياد والموضوعية و عدم الانحياز وثانيهما احترام التزاماته و عدم نقض تعهُداته الدولية وقرارات مجلس الأمن المُرتبطة بالنزاع واحترام الشرعية الدولية. لكنه في المُقابل يؤكد انه لن تنطوي عليه الدسائس التي تسعى من دون جدوى إلى إضعاف سلطته على صحراءه لقناعته الراسخة بأنه في صحراءه وفقا للشرعية التاريخية المُتجلية في البيعة و الظهائر السلطانية ووفقا للشرعية القانونية الدولية المُتجلية في قرار محكمة العدل الدولية.
امًا بخصوص ٳقدامه على زيارة العيون المغربية التي سبقه اليها مساعد الأمين العام للأمم المتحدة المكلف بعمليات حفظ السلام و المقرر الاممي الخاص بالتعذيب٬ فتبقى باعتبارها سابقة من نوعها منذ وقف إطلاق النار٬ تجسيدا لشجاعة سياسية من طرف الرباط لٲن الاخيرة لا تخجل ممَّا تُروّج له على ٲنه بلد في سبيل ارساء ثقافة حقوق الانسان ليس فقط في الصحراء و انَّما في باقي ربوع الوطن و هو الذي كانت لديه الشجاعة في الحسم علانية في ماضي الانتهاكات٬ بينما الانفصاليون المُتواجدون في اكبر سجن على الهواء الطًّلق في العالم تُديره الاستخبارات الجزائرية٬ يستعملون الورقة الحقوقية للتأثير في الرأي العام الدولي و هم الذين ينتهكون جميع مواثيق حقوق الانسان في تحد سافر للمُنتظم الدولي بُغية كسب مزيد من التَّعاطف بعد فقدان العالم الثقة في اطروحاتهم البالية بعدما تبيَّن له مُحاربتهم بجانب القذافي و الجماعات الجهادية و تورطهم في اختطاف الاجانب.
امَّا بخصوص المعرفة المُسبقة للمبعوث الاممي بمخطط إحراق الانفصاليين لمدينة العيون و هم المعروفون بإثارة القلاقل بالتزامن مع زيارته للصحراء٬ بغية وُقوفه الشخصي على المظاهرات المُصطنعة٬ لاتخاذها ذريعة ضد المغرب فيُعتبر خيانة للأمانة الاممية و يُزكي سحب الثقة الذي اتخذه المغرب لأنه ليست هناك وساطة امينة في ظل وُجود مبعوث اممي طرف و حكم في نفس الآن. امَّا بالنسبة لاتهام المغرب بعرقلة عمل قوات الامم المتحدة المنتشرة بالصحراء والتجسس عليها فهذا كلام غير واقعي اعتزام توسيع صلاحياتها لتشمل مراقبة حقوق الانسان يعتبر تحريفا و تسييسا لمهمة البعثة الاممية و مسَّا بسيادة المغرب على الصحراء التي استردها من اسبانيا 1975 بموجب اتفاقية مدريد الثلاثية التي وقَّع عليها كل من المملكة المغربية و اسبانيا و موريتانيا.
و بما ان كريستوفر روس الذي يُرتقب ان تنتهي مهمته كمبعوث شخصي للأمين العام للأمم المتحدة بحلول شهر يناير من السنة المقبلة٬ لم ينفي ما نُسب إليه٬ فالأمر يطرح اكثر من تساؤل حول مصداقيته و نزاهته. كما يُفيد ايضا احباط اعداده لزيارة لأعضاء مجلس الامن الدولي للصحراء دون علم الرباط الذي يُعتبر خارج قرارات مجلس الأمن و بالتالي اقرار بفشل المؤامرات الخسيسة التي تقوم بحبكها الاستخبارات الجزائرية الرامية الى اختراق المغرب المُحصًّن و المُصفًح و هي الغارقة حتًّى الاذنين في المُستنقع المالي. كما يُعتبر نسفا للمحاولات الميئوس منها التي تسعى لتكريس الوهم والالتفاف عن المشاريع الجادة الكفيلة بحلحلة النزاع.
الرهان الان بالنسبة للمغرب بعد ان أدخل كريستوفر روس ملف الصحراء المغربية في دوامة جديدة من المفاوضات غير الرسمية التي أصبحت تدور في حلقة مفرغة فهو العودة الى المفاوضات المباشرة حتَّى لا يبقى مسلسل التسوية اشبه بمفاوضات من اجل المفاوضات و لقاءات رتيبة و بدون افق. و اذا بدا ان الامور تسير الى الباب المسدود فالورقة الاخيرة هي تطبيق مُقترح الحُكم الذاتي على ارض الواقع بالتزامن مع مسلسل التسوية الٲممي لإقرار مصداقية طرحه باعتباره ضرورة حتمية وبالتالي خلق واقع جديد يجعل الصحراويين يتعلًّقون به و يدافعون عنه باستماتة على اساس ان يتم اعتماده دستوريا و تعميمه على باقي ربوع المملكة في المُستقبل لمُسايرة رياح الديمقراطية التي هبًّت على المغرب بتربًّع العاهل محمد السادس على العرش.
كما يجب كذالك اكثر من اي وقت مضى في ظل تجاهل كريستوفر روس للأوضاع المأساوية للمحتجزين قصرا في مخيمات الجنوب الغربي الجزائري٬ الاستمرار في التنمية المُستدامة للصحراء والمضي قُدما في تطبيق و تعزيز الديمقراطية في البلاد و على رٲس الاولويات تنزيل ورش الجهوية الموسعة الذي سيشكل المدخل الٲنسب في مجال تدبير الصحراويين لشأنهم المحلي دون اغفال الاستمرار في المسار التنموي الاجتماعي و الاقتصادية في الاقاليم الصحراوية. كما هو الشٲن بالنسبة لتوسيع هامش الحريات. الشيء نفسه بالنسبة للحقوق بكل ثقة في ان الديمقراطية هي الحل الوحيد. كما هو منصوص عليه في المواثيق الدولية و التجارب الديمقراطية المثيلة.
احمد بنصالح