"هل أنتم مسلمون فنتحاكم إلى الإسلام، أم غير مسلمين فنغير دفة الحوار؟" هذا السؤال رفعه أبو حفص "عبد الوهاب رفيقي" أحد الوجوه السلفية أكثر من مرة في وجه الناشط الأمازيغي أحمد عصيد وعدد من الحاضرين بمدرج المعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط أول أمس. طلبة المعهد الذين نظموا ندوة بعنوان "ما الحل؟ هل أسلمة أم علمنة الدولة والمجتمع", وجدوا في توجيه سؤال لأبوحفص عن الحريات الفردية والعلمانية ردا وحيدا عبر عن سؤال مضاد: "إنه نابع من رغبتي ف الإجابة عن تساؤلات المتدخل انطلاقا من المرجعية التي يؤمن بها ونحن نفترض أن يكون الحاضرون في الندوة جميعهم مسلمون".
وقبل هذه المواجهة بين أبو حفص المفرج عنه بعفو ملكي وبعض الطلبة بالمدرج, جاء تدخل عصيد بداية من خلال ربطه بين تفسيره للعلمانية كتدبير ما هو بشري باجتهاد البشر وضرورتها الملحة في الوقت الراهن بما تشهده المنطقة من تولي الإسلاميين للسلطة وهو السياق الذي عبر فيه الناشط الأمازيغي عن تخوفه: "من حقنا أن نخاف على المكتسبات التي تحققت في بلدنا, خاصة وأننا نرى ما يحصل في مصر وكيف يسعى الإسلاميون إلى الاستيلاء على كافة السلط بدعوى أنهم حصلوا على الأغلبية في الانتخابات"
عصيد استدل بالتجربة التركية التي قامت على فرض العلمانية قسرا على المجمتع عن طريق العسكر كأحد الأسباب التي تجعل المجتمعات الإسلامية تنفر من العلمانية وشبهها بالأسلمة الشاملة للدولة على شاكلة إيران أو السعودية. بينما يرى في العلمانية الوحيدة الكفيلة بالأخذ من الإسلام بذاته: "البر بالوالدين من سيقول لك لا هذه قيمة كونية موجودة في القرآن, أو القسط في الميزان هذه قيمة كونية كذلك...لكن هناك أمور كان لها سياقها وبفعل التحولات تتطلب الاجتهاد, والعلمانية هي الكفيلة بضمان الاختلاف بين أبناء المجتمع الواحد بغض النظر عن توجهاتهم وأفكارهم"
من جهته, تحدث أبو حفص عن اختلاف الظروف في البلدان الإسلامية عن تلك التي سادت أوروبا من خلال تواجد الرهبان والأحبار الذين شكلوا استبدادا على الناس وجعلهم يقومون بردة فعل مضادة: "لا يجب أن يجعلنا نتبنى مفهوم العلمانية التي نبتت في تربة أخرى وظروف مغايرة. ورغم أن هناك فقهاء تحالفوا في فترات معينة مع السلطة مستغلين الدين لمصلحتهم الشخصية فهذا لا يعني أننا بحاجة للعلمانية"
هذا الجزء الاخير من تصريح عبد الوهاب رفيقي هو ما التقطه أحمد عصيد ليبين إقرار محاوره بوجود استبداد باسم الدين وهو الأمر الذي يتطلب علمنة المجتمع. غير أن عصيد في مداخلاته المتقطعة, تطرق إلى العلمانية التي عاشها المغاربة بالفطرة خصوصا في بلاد السيبة التي كانت تعرف "تسيير الأرضي بما هو أرضي من خلال رجوعهم لأعراف هم يقرونها رغم أنهم مسلمون"
أبو حفص شدد على تمحيص مفهوم العلمانية تحت مجهر الثوابت الإسلامية: "يجب أن ينطلق من مرجعية معينة, نحن مسلمون ومرجعيتنا التي تأمر بالحكم بما أنزل الله هي مخالفة بالضرورة لمبدأ العلمانية القاضي بالحكم باجتهاد البشر, رغم أن هذا لا يعني عدم التوافق حول بعض الأمور التي لا تتجاوز الخطوط الحمراء التي رسمها الإسلام".
بالرغم من الاختلافات البارزة والمتعددة بين المعسكرين, إلا أن كلا الطرفين أجمعا على تجمد العقل الفقهي الإسلامي لقرون طويلة أو سنوات طويلة بالنسبة لعصيد ورفيقي على التوالي. وفي حين دعا أبو حفص إلى ضرورة تجديد العقل الفقهي بما يتوافق مع العصر الحالي بما يسهم في محاربة الاستبداد باسم الدين, فإنه شدد على ضرورة تطبيق الشريعة وعدم الخوف منها لأنها: "لا تعني فقط الحدود كما أنها لا تطبق إلا في ظل توفر شروط لازمة". أما عصيد, الذي وافق أبو حفص في بقاء العقل الفقهي الإسلامي مجمدا, لكن لثمانية قرون, لم تنجح محاولات انتشال العالم الإسلامي من التخلف التي كان من أبرزها اجتهادات محمد عبده بدايات القرن الماضي وهي الاجتهادات التي ستتوقف سنة 1928 بإنشاء جماعة الإخوان المسلمين بمصر, لتشكل تقهقرا, كما يرصد عصيد.