عبد الحق لمريني مؤرخ المملكة:
لحسن اليوسي ناضل من أجل ترسيخ التنوع الثقافي واللغوي
إنها بادرة طيبة لمركز لحسن اليوسي للدراسات والأبحاث السياسية بقيمها للتذكير بالحقائق التاريخية التي لا غبار عليها والتي لا يمكن أن تمحى من الذاكرة الوطنية.
حسن اليوسي سليل أيت يوسي التي ينتمي إليها الفقيه والعالم أبو علي لحسن اليوسي صاحب كتاب " الرسائل"، هو ابن من الأبناء البررة لمدينة صفرو، خلف والده في مركز القيادة من سنة 1924 إلى ألأربعينات من القرن الماضي. كان يعارض بعض التصرفات الغير اللائقة بكرامة الشعب المغربي ووحدته العقائدية التي تصدر عن رجال الحماية الفرنسية، ومنها الظهير المدعو " البربري" وليس من البربرية إلا الاسم الذي يفرق بين المغاربة في الأحكام الشرعية، ويدعو " البرابرة" بتعبير العصر إلى العمل بأعرافهم القديمة، والتخلي عن القوانين الشرعية للدين الإسلامي.
كما امتنع لحسن اليوسي عن التوقيع على بيعة سلطان غير شرعي وهو محمد بن عرفة الدمية التي كان يحركها كالبيدق الذين كانت لا تهمهم مصلحة البلاد بتعاون مع رجال أركان الحماية الفرنسية المتعصبين بالمغرب. لقد حزن لحسن اليوسي حزنا شديدا لنفي محمد الخامس رحمه الله إلى منفاه السحيق، والذي كانت تربطه به علاقة خاصة، وكان يتردد جلالته كثيرا رفقة ولي عهده الأمير مولاي الحسن على أسرة أيت يوسي بالأطلس المتوسط، وكان يتجادل الحديث مع جلالته في موضوع الأخطار المحدقة بالمغرب من جراء السياسة الفرنسية المتعسفة إزاء الحركة الوطنية المغربية.
ولما حصل المغرب على استقلاله، أسند إليه جلالة الملك محمد الخامس طيب الله ثراه وزارة الداخلية في حكومة امبارك البكاي- الذي كان باشا لمدينة صفرو- والذي فقد ساقه الأيمن في الحرب العالمية الثانية، وكان مستعدا لفقد ساقه الثاني من أجل حصول المغرب على حريته واستقلاله. كما أسند إليه جلالته رحمه الله عضوية مجلس التاج إلى أن انعزل عن السلطة وغادر المغرب إلى اسبانيا، جراء أحداث خطيرة جرت بتافلالت لأسباب سياسية كادت أن تعصف باستقلال المغرب الفتي لولا أن وقفت قواتنا المسلحة الملكية بالمرصاد، تحت قيادة ولي العهد آنذاك ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية جلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه.
كان لحسن اليوسي لا يحظى فحسب بتقدير من جانب الفرنسيين أنفسهم لمعارضته الصامدة لبعض قراراتهم التعسفية، ولكن حتى من جانب الأوساط الوطنية والاجتماعية المغربية لوقفه الوطني لما امتنع عن الاعتراف بسلطان الحماية الفرنسية، ولمناهضة الذين كانوا في ركبها- خلافا لما عرف عن غيره من الذين نصبتهم الإقامة العامة الفرنسية قيادا على قبائلهم – من طاعة عمياء لأوامرها، وتعليماتها التي لم تكن بثاتا في صالح قبائلهم خاصة، وفي صالح الشعب المغربي عامة. وقد عمل لحسن اليوسي على استقطاب عدد من المدن الأطلسية إلى الحركة الوطنية، التي كان يعمل معها ومع جيش التحرير في سرية تامة بنواحي الأطلس، لربط الجبل والحاضرة وللعمل سويا لإحقاق الحق، وإزهاق الباطل ضاربا عرض الحائط بما يترتب عن ذلك من أخطار قد تهدد مصير حياته. وهذا مما دفع الفرنسيين إلى نفيه إلى بنسليمان ثم إلى الصويرة إلى أن عاد جلالة الملك محمد الخامس رحمة الله عليه إلى عرشه معززا مكرما منتصرا.
وما لبث لحسن اليوسي بالإضافة إلى مهامه السياسية، أن كان يناضل للدفاع عن تنوع الثقافات واللغات في بلادنا، والعمل على المحافظة عليها كتراث وطني لا محيد عنه، والذي يفتخر به كل المغاربة وهم متشبثون بمقوماتهم، ووحدة تراب وطنهم، وبموروثهم الثقافي الأمازيغي- العربي الإسلامي، متصدين لكل من يمس هويتهم المتأصلة التي هي ملك لكل المغاربة كيفما كانت أصولهم أمازيغية أو عربية أو أندلسية أو أفريقية، وبها معتزون وعليها محافظون.
هذا باختصار شديد هو لحسن اليوسي الذي ملأ اسمه فضاء الأطلس، الرجل الوطني الغيور على بلاده وأهلها من طينة امبارك البكاي، والطاهر أوعسو، والمحجوبي أحرضان، والدكتور الخطيب وغيرهم. فجاء هذا التكريم في وقته حتى لا يطويه النسيان، وحتى يبقى ذكره يملأ الفضاءات المغربية رحمة الله وأتابه على ما قدم وأخر.
عبد الحق المريني مؤرخ المملكة ومحافظ ضريح محمد الخامس