بنكيران بين الثقة والرضى
المصطفى معتصم
نسب إلى السيد خالد الجامعي قوله : "لا ...بنكيران كيقلب على الرّْضى ماشي على الثقة والبقاء قرب الملك مهما كلفه الثمن". فهل فعلا بنكيران يتغيا الحصول إلى رضى الملك يا سيد خالد الجامعي الجامعي ؟
قبل الجواب على هذا السؤال لا بد من استحضار تعريفي مصطلحي الثقة والرضى :
الثقة عكس الشك . الشك في اعتقاد أو نوايا أو أخلاق الشخص الاخر. الثقة هي توقع النوايا الحسنة, مبنية على معرفة المرء بالإنسان الاخر. الثقة هي كلمة عن ما هو المجهول—على سبيل المثال لانها لا يمكن التحقق منها في الوقت الحالى ولكن من الممكن رؤية نتائجها في المستقبل.
الرضى عكس السَّخَطِ وفي حديث الدعاء اللهم إني أَعوذُ برضاكَ من سَخَطِكَ وبمُعافاتِكَ من عُقوبَتِكَ ....
ونقول طَلَبَ رِضاهُ : أي طلب مُوافَقَتَهُ واِسْتِحْسانَهُ والارتياح إليه والاطمئنان إليه . ولخص الشاعر العربي الرضى في بيت شعري جميل :
وعينُ الرِّضا عن كلَّ عيبٍ كليلة ٌ,,, وَلَكِنَّ عَينَ السُّخْطِ تُبْدي المَسَاوِيَا
عندما يرضى عنك شخص ما فهو لا ينتبه لأخطائك بل يغض عنها البصر ولكنه حينما يسخط عليك لا ينتبه إلا لهفواتك وأخطائك .
ما من شك في أن مبتغى الأستاذ بنكيران نيل رضى الملك المغرب وهذا ليس عيبا ولا انتقاصا بل مطلوب وممدوح في شروط طبعا . لكني متيقن بأن رئيس الحكومة يعرف جيدا أن الوصول إلى تحقيق هذا الهدف شيئ غاية في الصعوبة عند الملوك . فمنزلة الموافقة والاستحسان والارتياح والاطمئنان منزلة عليا قد يصلها بنكيران في نهاية مهمته الراهنة على أقل تقدير، خصوصا وأن البيئة السياسية الحالية بها الكثير من المطبات والمعيقات التي قد تدني من منسوب الرضى الملكي على الفرقاء السياسيين خصوصا عندما تستنزفهم الصراعات والمهاترات والملاسنات والشعبوية وتسود بينهم الدسائس .
ولكن أعتقد أن السيد بنكيران يسعى بشكل دؤوب وبالحاح لنيل ثقة الملك كي لا يبقى عنده مقدار قطمير من الشك في اخلاصه وحسن نواياه اتجاه النظام الملكي ومن هنا نفهم التكرار المستمر للسيد بنكيران على التصريح والتلميح بصدق اخلاصه وحسن نواياه اتجاه الملك والملكية بل لا يمضغ كلماته حينما يعلن أنه ملكي أكثر من الملك ويعلن بالمناسبة وغير المناسبة أنه لا ولن ينازع الملك في أي من الصلاحيات بما في ذلك صلاحيات رآسة الحكومة ولا يتردد في القول بأنه فقط ينفذ تعليمات الملك وبأنه لا يحكم فالملك هو من يحكم الخ . . . السيد بنكيران يفعل إذن كل ما من شأنه أن يرفع منسوب ثقة الملك لأنه إسلامي والإسلاميون كاليساريون على امتداد الوطن العربي قد تأثروا كثيرا بالنهج الإنقلابي الذي ساد العالم منذ الستينات حتى التسعينات من القرن الماضي والخيار الديمقراطي والتعايش في إيطار ازدواجية السلطة بين رآسة الدولة ورآسة الحكومة شيئ جديد في فكرهم السياسي المعاصر وهذا ما يجعلهم محط الشك في نواياهم وتبنيهم للخيار الديمقراطي خصوصا الديمقراطية التشاركية حتى يُثبـتون العكس . أكيد أن ملك المغرب اليوم قد زادت ثقته في بنكيران وعناصر من حزبه بعد التعرف عليهم عن قرب وهكذا هي الأمور فكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الأرواح جنودا مجندة ما تعارف منها إئتلف وما تنافر منها اختلف .
لكن السيد بنكيران يطمح فعليا بأن يبقى وحزبه في الحكومة في المرحلة القادمة . ويعرف جيدا أن ارتفاع منسوب ثقة القصر اتجاهه واتجاه حزبه سيمهد الطريق له نحو ولاية ثانية . لا يمكن مؤاخدة السيد بنكيران على هذا الأمر إلا في حدود الإخلال بالشروط التي تقتضيها اللعبة الديمقراطية.
لكن بالمقابل بنكيران يبحث عن رضى جهة أخرى لا تهمها نواياه ولا أحاديث نفسه الأمارة أو نفسه المطمئنة اتجاه الوضع القائم . بنكيران يبحث عن رضى البنك الدولي على ما يقوم به من اجراءات واستحسان لما يتخده من تدابير وارتياح وإطمئنان لما ينفده من تعليمات هذا البنك . ففي تقديره نيل نقطة حسنة من البنك الدولي ومن المؤسسات والشخصيات الغربية ، وقد نالها ، معناه كسب المزيد من الثقة الملكية باعتبار تخوف الملك من انعدام خبرة حزب العدالة والتنمية في مجال تدبير الشأن الحكومي .
السيد بنكيران يعرف أن رضى البنك الدولي يكتسب :
- بالقدرة على تنفيذ توجيهات هذا البنك ووصفاته وبالشجاعة على اتخاذ القرارات حتى ولو كانت مؤلمة وغير شعبية وقد أبان رئيس الحكومة على باع طويل في هذا المجال .
- بالقدرة على الابقاء على الشارع هادئ بعد اتخاذ القرارات المؤلمة والتي تضر بمصالح الطبقات الوسطى والفقيرة عادة فالبنك الدولي والمؤسسات المالية العالمية والغرب لا يرغب في زعزعة استقرار المغرب ودفعه إلى انفجار داخلي لا تحمد عقباه وهو ما نجح فيه بنكيران لحد الساعة حيث لم تتجاوز الاحتجاجات على تدابيره الهجوم الكلامي عليه وبعض مظاهر الرفض لقراراته وهي مظاهر مقدور على تطويقها لحد اليوم .
- نيل رضى الأوليغارشيا المحلية والأغنياء وهذا ما حرص عليه السيد بنكيران بتمكينهم ،ضمن مروحة واسعة جدا، من العديد من المكاسب تأرجحت بين عفا الله عما سلف وتستمر مع التحفيزات الضريبية والتسهيلات في التمويل الخ ..
وبين السعي المستمر لنيل الثقة الملكية ونيل رضى البنك الدولي يراهن بنكيران على إمكانية العودة لترأس الحكومة المقبلة . لا بد أن ننوه أن بين ثقة القصر ورضى البنك الدولي علاقة مؤكدة فكلما ازدادت الثقة الملكية في حكومة بنكيران ازدادت ثقة البنك الدولي في استقرار الوضع السياسي بالمغرب لتنافي الاستقطاب والتعارض بين القصر والحكومة وبوجود التناغم والتماهي . وكلما سارت الحكومة في السياقات والمسارات التي لا تعارض سياسات المالية والاقتصادية التي يريدها البنك الدولي كلما تحولت الثقة إلى رضا عن أداء هذه الحكومة وطبعا رضا الخارج بثقل المؤسسات المالية كالبنك الدولي ومؤسسات كالإتحاد الأوروبي وشخصيات كهيلاري كلينتون سيزيد من منسوب ثقة الملك في عبدالإله بنكيران وحكومته وحزبه .
ويعتقد السيد بنكيران أنه متى جمع بين ثقة القصر ورضى البنك الدولي عليه وعلى حكومته فلن يكون قلقا بالمرة من نيل حزبه المرتبة الأولى في الانتخابات المقبلة والعودة إلى الحكومة مرة ثانية وهو في هذا لا يعير للأسف الشديد الكثير من الاهتمام للاحتجاجات عليه ولا تخيفه ، فهو مطمئن إلى قاعدته الإنتخابية الواسعة مقارنة بالأحزاب الأخرى في ظل استمرار ارتفاع نسبة المقاطعة وفقدان الكثير من الأحزاب ومنها أحزاب كبرى لوهجها وجاذبيتها للجماهير وفي ظل الترتيبات السيئة التي تمت وجعلت حزبه يحتكر العمل السياسي بالعنوان الإسلامي .