فتحت محكمة إسبانية دعوى ضد 11 مسؤولا رفيع المستوى في الجيش والشرطة المغربيين، بتهمة ارتكاب إبادة جماعية مزعومة في الصحراء المغربية، في خطوة مريبة تأتي بعد ايام قليلة من إشادة اسبانية على اعلى مستوى بالجهود المغربية في مكافحة الإرهاب في المنطقة جنوب المتوسط.
وفي تحرك تشتم من ورائه رائحة مسعى خبيث للإساءة الى المغرب، فتح أحد قضاة المحكمة الوطنية الإسبانية من جانب واحد، دعوى ضد 11 مسؤولا رفيع المستوى في الجيش والشرطة المغربية ما يزالون مجهولين لوسائل الإعلام، بتهمة مزعومة عن "ارتكاب إبادة جماعية في الصحراء المغربية".
ويقول مراقبون إن ما يدفع الى الشك في نوايا القاضي هو التوقيت الذي حرك فيه ملف القضية الذي يأتي بعد ايام قليلة من إشادة وزارة الداخلية الإسبانية بـ"العمل المثالي والنموذجي والمنسق والمعزز ضد تهديد الإرهاب الجهادي" الذي تقوم به الأجهزة الأمنية المغربية والإسبانية، التي تعمل "في جو من الثقة والاعتراف والتقدير المتبادل في مجال حساس وصعب كمكافحة الإرهاب الجهادي".
واعتمد القاضي الاسباني بابلو روز على شهادات 19 شخصا يزعمون "انهم تعرضوا لانتهاكات في الصحراء المغربية بين عامي 1975 و1992، وعلى وثائق وصور فوتوغرافية تعود لتلك الفترة، لاتخاذ قرار بتوجيه تهم إبادة جماعية تتضمن الاعتقال غير القانوني والتعذيب والقتل ضد المسؤولين الـ11".
ويقول خبراء بشؤون العلاقات المغربية الاسبانية إن القاضي يبدو أنه مدفوعا من بعض اللوبيات الموالية لجبهة البوليساريو الانفصالية من أجل التشويش على موقف الحكومة الاسبانية ووزيرها للداخلية خورخي فرنانديث دياث من توشيح مدير المخابرات المغربية، وإجابته المفحمة لأحد نواب البرلمان اليساريين بما يفيد بان هذا التكريم للأمن المغربي في شخص حموشي هو تكريم مستحق وزيادة.
وكانت وزارة الداخلية الاسبانية تردّ بذلك على سؤال وجهه احد البرلمانيين عن حزب اليسار الموحد مستفسرا فيه عن الاسباب التي استدعت الوزارة لتكريم عبداللطيف الحموشي، المدير العام للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني (المخابرات الداخلية المغربية) ومسؤولين آخرين بهذه الإدارة في تشرين الأول/ أكتوبر 2014 بمدريد، وذلك بمنحهم أوسمة رفيعة اعترافا بـ"المستوى العالي للتعاون بين المغرب وإسبانيا في مجال مكافحة الإرهاب".
وقال الوزير دياث ان توشيح مدير الاستخبارات الداخلية المغربية عبداللطيف الحموشي بوسام "الصليب الشرفي" الذي يعتبر أعلى التوشيحات التي تمنحها إسبانيا للشخصيات الأجنبية، والذي سلمه إياه وزير الدولة الإسباني المكلف بالأمن، فرنسيسكو مرتينيث باثكيث خلال حفل نظم بمدريد يرجع إلى التعاون المتميز بين المغرب وإسبانيا في التصدي للإرهاب.
وأضاف "إسبانيا ما عليها إلا أن تشد على يد المغرب بحرارة في هذا المجال، وحدث توشيح شخصيات بارزة مغربية هو اعتراف بالعمل الرائع الذي تقدمه السلطات الأمنية المغربية رفقة جهاز الشرطة الإسباني، للوقوف ضد التهديدات العدائية التي تستهدف البلدين، خاصة في ظل تنامي الفكر المتطرف، كما يتبين من خلال عدد الخلايا التي جرى تفكيكها مؤخرا".
وأوضح المسؤول الإسباني "لم تكن هي المرة الأولى التي تقوم فيها إسبانيا بتوشيح شخصيات مغربية في المجال الأمني، إذ أنه سبق لرئيس الوزراء الإسباني الأسبق خوسيه لويس ثباتيرو أن وشح الجنرال حسني بن سليمان قائد الدرك الملكي بوسام «الصليب الشرفي للكاثوليكية إيثابيل» خلال فترة حكمه عام 2005".
وأشاد خورخي فرنانديث بعمليات تفكيك العديد من الخلايا الإرهابية بـ"فضل التعاون المشترك بين الجهازين الأمنيين المغربي والإسباني، والتي أدت إلى اعتقال العديد من الأفراد ممن كانوا يخططون للقيام بأعمال عدائية تستهدف الدولتين، أو من كانوا يقومون بتجنيد الأفراد للالتحاق بصفوف تنظيم الدولة الاسلامية الإرهابي في كل من سوريا والعراق".
وقال إن "العمليات المفعلة كان لها دور مهم في حماية الأمن العام لكل من المملكة المغربية ونظيرتها الإيبيرية، كما أنها تظهر مستوى التعاون المتميز بين الإدارة العامة لمراقبة التراب الوطني وجهاز الشرطة الإسبانية".
ويقول المراقبون إن هذه القضية المزعومة ليست إلا فرقعة إعلامية ستخبو مع الأيام وإن المغرب سيخرج منتصرا فيها كما انتصر في قضايا مماثلة مع فرنسا لينتهي الخلاف لاحقا الى ما انتهى اليه من اعتذارات فرنسية رسمية للرباط على اعلى مستوى وسقوط كل محاولات الإساءة للعلاقات المغربية الفرنسية في الماء.
وجمدت إسبانيا الكثير من الدعاوى التي رفعها نشطاء أمام القضاء الإسباني ضد مسؤولين في دول مختلفة بتهمة جرائم ضد الإنسانية، لكن القضاء الإسباني استثنى ما يصفها بالخروقات الواقعة في الصحراء المغربية بذريعة أن "إسبانيا ما زالت تتحمل مسؤولية إدارية في هذا النزاع وأنه لم يتم البث في السيادة النهائية".
وكانت إسبانيا قوة استعمارية في الصحراء المغربية حتى سنة 1975 عندما غادرتها باتفاقية مدريد. ويعالج القضاء الإسباني ملف خروقات إقليم الصحراء بموجب ما يسمى قانون العدالة الكونية.
ويضيف المراقبون أن ارتياح اسبانيا للعلاقة الأمنية بينها وبين المغرب إلى حد امتداحها، ربما يكون قد أزعج الكثير من اللوبيات الموالية لجبهة البوليساريو التي تصنع في كثير من الأحيان مواقف بعض الاحزاب والشخصيات القضائية والعامة في اسبانيا من المغرب.
وتستفيد هذه اللوبيات من علاقات اقتصادية ومالية مع الجزائر توجه موقفها من الصراع المفتعل في الصحراء نحو دعم الموقف الجزائري وحليفتها جبهة البوليساريو.