عقدت حركة تحرير الزنوج الموريتانيين (افلام) الجمعة 29 غشت ، مؤتمراً استثنائياً هو الأول لها داخل الأراضي الموريتانية، بعد عودتها عام 2013، ودعت خلال المؤتمر إلى تطبيق "الحكم الذاتي" في موريتانيا، معتبرة أن ذلك يشكل حلاً لمشاكل الوحدة الوطنية في البلاد.
وجاء عقد المؤتمر الاستثنائي للحركة بمقر إقامة رئيسها، بعد أن رفضت السلطات الموريتانية الترخيص لإقامته في أحد فنادق نواكشوط بحجة أن الحركة غير مرخصة ولا يحق لها تنظيم تجمع عام.
وكانت الحركة قد أكدت الخميس خلال مؤتمر صحفي إصرارها على تنظيم المؤتمر، مستنكرة في نفس الوقت قرار السلطات عدم الترخيص لنشاطها، مشيرة إلى أنها التزمت بالنظم القانونية وأرسلت إشعاراً إلى السلطات.
وبالتزامن مع انطلاق المؤتمر الاستثنائي للحركة، قامت وحدات من الدرك الموريتاني بتطويق المقر، وأغلقت جميع الشوارع المؤدية إليه، ولكنها في نفس الوقت تفادت الاحتكاك بالراغبين في حضور المؤتمر.
وقد بدأ المؤتمر وسط حضور عشرات المناضلين في صفوف الحركة، وبعض الشخصيات السياسية، من أبرزها رئيس حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل) محمد جميل منصور، ورئيس حزب الحرية والعدالة با ممادو ألاسان، بالإضافة إلى ممثل عن رئيس حزب تكتل القوى الديمقراطية أحمد ولد داداه، لكن الحزب الذي ينتمي له اعتبر أنه غير معني بحظور ولد دادة للمؤتمر.
مطالب بالحكم الذاتي للزنوج بموريتانيا
و جدد رئيس حركة (افلام) صامبا تيام دعوته إلى الحكم الذاتي في موريتانيا، مشيراً إلى أنه "وسيلة للخروج من المأزق" الذي تعيشه موريتانيا؛ وفي هذا السياق قال تيام: "لا بد من حوار صريح، جاد وهادئ، بدلا من اللجوء إلى الترهيب والاستفزاز".
وأضاف رئيس الحركة أن "الحكم الذاتي الذي هو محل جدل كبير، ويعتبره خصومنا خطاً أحمر"، هو في الحقيقة "لا يعدو كونه مجرد نوع من إعادة التنظيم الإقليمي، على أساس معايير موضوعية وطبيعية، حتى أنه أحيانا يلعب دورا هاما في تعزيز التماسك الاجتماعي كما أنه يساعد في الحد من التوتر وحتى القضاء عليه"، على حد تعبيره.
وقال تيام إن "موريتانيا تعيش واقعاً قبلياً وعرقياً وإقليمياً صعباً، لا يمكننا تجاوزه دون ارتكاب أخطاء، ونحن بحاجة إلى بناء بلد يتقبل التنوع، يزرع التضامن ويتقاسم ثرواته"، قبل أن يضيف: "الحكم الذاتي يمثل، بالنسبة لنا، خطوة انتقالية لا بد من المرور بها نحو مخاض الدولة الأمة".
بين الزنوج و الحراطين :صراعات عرقية و سياسية و دعوة للمصالحة
و تأسست حركة (افلام) خارج البلاد منتصف ثمانينيات القرن الماضي، و عقدت آخر مؤتمراتها عام 2011 خارج موريتانيا، وقررت خلاله العودة إلى البلاد، وذلك ما علق عليه رئيسها بالقول: "ها نحن عدنا إلى أرض الوطن بعد 23 عاماً من المنفى، لنعقد اجتماعاتنا على أرض الوطن".
وأضاف تيام مخاطباً مناضلي الحركة الحاضرين: "لقد قدمنا إلى بلدنا الغالي، بنية مواصلة معركتنا من أجل موريتانيا خالية من العنصرية والعبودية، في إطار الشرعية واللعبة الديمقراطية رغم كل النواقص الحالية".
وقال تيام واصفا وهو يصف مناضلي الحركة: "نحن وطنيون مخلصون، سنقولها مرارا وتكرارا، جئنا إيمانا منا بالسعي لحل المشاكل الجوهرية، خاصة المسألة المركزية المتعلقة بالوحدة الوطنية أو التعايش".
و خلال مؤتمرها عام 2011 كانت الحركة قد أعلنت نيتها التحول إلى حزب سياسي والعمل من داخل موريتانيا، وهو الموقف الذي ينتظر من هذا المؤتمر الاستثنائي الذي بدأ اليوم ويختتم غداً السبت، أن يبت فيه بشكل نهائي.
ويحتدم الجدل وسط الحركة بخصوص التحول إلى حزب سياسي، حيث تشير المصادر إلى أن أغلب مناضلي وقادة الحركة يعارضونه، ويصرون على ضرورة احتفاظ الحركة بطبيعتها الحالية.
ويعتقد من يرفضون فكرة الحزب السياسي، أن هنالك أحزاباً سياسية تحمل نفس أفكار وأهداف (افلام) ولكنها فشلت مسارها، وذلك في إشارة إلى حزب التحالف من أجل العدالة والديمقراطية - حركة التجديد، الذي يقوده النائب البرلماني إبراهيما مختار صار.
في غضون ذلك يستبعد أغلب المراقبين أن تقبل السلطات الموريتانية الترخيص لأي حزب سياسي يخرج من عباءة حركة (افلام)، ويتوقع هؤلاء تكرار تجربة حركة (إيرا) التي حاولت تأسيس جناح سياسي تحت اسم حزب (الرك) فرفضته السلطات.
جدل بين الاحزاب السياسية
و قال رئيس حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل)، محمد جميل ولد منصور، إنه يرفض فكرة الحكم الذاتي الذي طالبت به حركة (افلام)، وذلك في إطار رده على انتقادات واسعة وجهت له بعد حضوره مؤتمرا استثنائياً للحركة أول من أمس الجمعة.
وقال ولد منصور إنه في نفس الوقت "يدعم كل ما من شأنه أن يزيد الوحدة الوطنية ويفتح الباب أمام مزيد من تكافؤ الفرص بين مختلف مناطق الوطن"، على حد تعبيره.
وبرر ولد منصور حضوره لمؤتمر حركة (افلام) بـ"السعي لاحتواء الآخرين والاستماع إليهم عن قرب، مهما اختلفت مطالبهم"، مشيراً إلى أنه تلقى دعوة من الحركة ولباها.
واعتبر أن موريتانيا بحكم تعددها العرقي والفئوي والاجتماعي الموجود فيها بحاجة إلى ما يزيد مكوناتها تلاحما بما يعزز الوحدة فيها ويجعل مختلف فئاتها سواسية أمام القانون.
وكان حضور ولد منصور لمؤتمر لحركة (افلام) دعت فيه إلى الحكم الذاتي؛ قد أثار انتقادات ورأى فيه البعض دعما لفكر الحركة الذي يصفه البعض بالانفصالي والمتطرف.