دعا رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، يونس مجاهد، في اللقاء الدولي، المنظم من طرف منظمة اليونسكو، في باريس، بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، إلى البحث عن النماذج الملائمة لتنظيم وتقنين وسائل العمومية، في منطقة جنوب المتوسط، حتى تستجيب لمتطلبات المرفق العمومي، و حتى تكون أداة في خدمة المجتمع، و ليس أداة محتكرة من طرف الحكومات و التوجهات الرسمية.
و تحدث في الندوة المخصصة لتدارس هذه الإشكالية في دول جنوب المتوسط، أمس 6 ماي، عن التجربة المغربية، مذكرا بأن هذا الموضوع كان مطروحا منذ بداية التسعينات من القرن الماضي، وليس مع ما سمي بالربيع العربي، كما حصل في العديد من بلدان المنطقة، حيث كانت حرية الصحافة تقتصر على الصحافة الورقية، دون أن يتضمن ما يطلق عليه وسائل إعلام الدولة.
و استعرض ما حصل في المغرب منذ بداية التسعينات، حيث نظمت نقابة الصحافة المغربية احتجاجات وقدمت مطالب تحت شعار "دمقرطة الإعلام العمومي"، و شكلت جبهة مع منظمات من المجتمع المدني لتحقيق هذا الهدف. كما أشار إلى أن مطلب انتقال الإعلام السمعي البصري، من رسمي إلى عمومي، كان أيضا ضمن النقاط الأساسية، التي كانت تثيرها المعارضة منذ التسعينات، مثل ما جاء في المذكرة التي قدمتها أحزاب الكتلة الديمقراطية، حول الإصلاح السياسي و الدستوري.
كما أبرز أن الصراع حول هذا الموضوع وصل إلى درجة أن وزارة الداخلية، كانت تسيطر على الإعلام، بل كان مديرو القنوات و الإذاعات الوطنية، موظفون كبار بهذه الوزارة، لأن السلطة كانت وما تزال تعتبر أن هذه الوسائط الاجتماعية أدوات من أدوات تحكمها. و اعتبر أن تحرير هذا القطاع من احتكار الدولة، في شهر غشت من سنة 2002، وإنشاء الهيأة المستقلة للإعلام السمعي البصري، سنة 2004، كان خطوة متقدمة، مقارنة مع ما يحصل في المحيط الإقليمي للمغرب، غير أن تحقيق الخدمة العمومية لم يتقدم بالشكل المطلوب.
و أكد أن النقابة استمرت في المطالبة بتغيير تشكيلة الهيأة العليا للإعلام السمعي البصري، و بالخدمة العمومية و بالجودة و الحكامة، و ترجمت ذلك في المذكرة التي وجهتها إلى اللجنة المكلفة بصياغة الإصلاح الدستوري، و سجل أن الدستور الجديد للمغرب يتضمن مبادئ هامة، تسمح بالتقدم في معالجة مختلف هذه القضايا، غير أن ما حصل عندما قدم وزير الاتصال، مصطفى الخلفي، دفتر تحملات القنوات و الإذاعات العمومية، كشف نوايا الحزب الأصولي، الذي يترأس الحكومة، في محاولة إعادة إنتاج نفس ممارسات الحكومات التي تهدف إلى السيطرة على هذه الوسائط و إلى اعتبار انها يجب أن تكون في خدمة سياستها و توجهها الإيديولوجي، و هو ما يناقض مبدأ استقلالية الصحافة و الإعلام.
لذلك اقترح يونس مجاهد ضرورة البحث في النماذج المتقدمة و الديمقراطية، التي تكون صالحة لبناء وسائل إعلام عمومية، تقدم خدمة المرفق العام، و تعكس التنوع و التعددية و الحق في الاختلاف، وتستجيب لحق المواطن في الخبر و في منتوج جيد، و تسير بطريقة شفافة و في إطار حكامة جيدة، واعتبر أن تحقيق هذه الأهداف لا يمكن أن يتم إلا إذا تشكلت المجالس العليا لتنظيم الإعلام العمومي بناءا على مبدإ الانفتاح على المجتمع و على الهيئات المهنية و الحقوقية و الثقافية والفنية، و إلا إذا تغير القانون المنظم لهذا القطاع، ليتلاءم مع مبادئ الدستور، و مع التطورات السياسية و الحقوقية و المهنية، مؤكدا على ضرورة ضمان استقلالية و سائل الإعلام العمومية عن الجهاز التنفيذي و كل السلطات، و سيادة الديمقراطية الداخلية و التحريرية، مع تطوير المراقبة البرلمانية الجدية لهذه المؤسسات.
و في سياق الحديث عن التحولات الجارية في المنطقة، أكد مجاهد أن الانتقال من وسائل إعلام رسمية إلى عمومية، يتطلب أيضا انتقالا ديمقراطيا حقيقيا، و هو ما لا يمكن أن نجزم بأن ما سمي بالربيع العربي، قد أنجزه، لذلك اعتبر أن جهود الديمقراطيين يجب أن تتواصل و أن تعتبر معركة الإعلام المستقل أساسية، في هذا الانتقال.
و تجدر الإشارة إلى أن اللقاء الدولي الذي نظمته اليونسكو تم تحت شعار "حرية وسائل الإعلام: من أجل مستقبل أفضل"، تضمن عدة فعاليات، من بينها توجيه خطاب منقول عبر الشاشة، للأمين العام الأممي، بان كي مون، حول هذا القضية، و تسليم جائزة حرية الصحافة، للصحافي التركي المعارض، أحمد سيك، المتابع من طرف السلطة في بلده بتهمة التآمر.