الطوزي: "لا وجود لثورة والدستور الجديد استمرارية كما أرادها كل الفاعلين السياسيين"
أصبح محمد الطوزي المصدر الوحيد لكل التسريبات حول خبايا طبخة الدستور الجديد، و كان الرجل أحدته صحوة ضمير متأخرة. العارفون بالرجل و بأسراره يعرفون ان كلام الطوزي الان رسالة لمن يهمه الأمر، فالناس قد ـاحرو على الرجل لطلب "استخارة" جديدية من كرة البلور التي يرى فيها الكثير من الاشياء لا يراها إلا الراسخون في علم الجداول. و المهم من هذا و ذاك ان عقدة لسان قد انفكت و نحن نستبشر بها.
كواليي و دهاليز
أكثر من سنة مرت على اعتماد الدستور الجديد للمملكة, لكن كواليس الإعداد له ولصياغة مضامينه بقيت حبيسة لدى أهم الفاعلين الذين شاركوا في تدبيج أول دستور في عهد محمد السادس. حوالي ثلاثة أشهر تخللتها جلسات استماع ومداولات لم يخرج من كواليس اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور السنة الماضية سوى القليل. تحفظ جل أعضاء اللجنة على إعطاء تفاصيل ما جرى بين أعضائها لم يمنع محمد الطوزي بصفته أحد الأعضاء المشاركين من الإشارة إلى السياق وإلى بعض التفاصيل التي رافقت عمل لجنة عبد اللطيف المنوني: "يجب التأكيد على أنه لا وجود لثورة لأن الدستور الجديد جاء في إطار الاستمرارية, كما أنه ولا واحد من الفاعلين السياسيين طالب بالقطيعة كان هناك إجماع على الاستمرارية" يقول محمد الطوزي, الذي كان يتحدث في ندوة من تنظيم الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة "ترانسبرانسي" أول أمس بالرباط, تحت عنوان "الدستور الجديد والحكامةالجيدة".
صعوبات اعترضت اللجنة الملكية لتعديل الدستور قبل الشروع في عملها
المشاكل التي واجهت أعضاء اللجنة كانت متأتية من حمل كل واحد منهم لقناعات مختلفة عن الثاني كما يوضح الطوزي. رغم اعتراف أستاذ العلوم السياسية بكون تلك القناعات لم تكن: "حائلا دون تغيير البعض من أرائه خلال المناقشات ويجب التذكير بأن مهمتنا كانت في إطار معين ومحدد". بغض النظر عن اختلاف القناعات لدى أعضاء اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور, فإن أول مشكل واجه اللجنة تمثل في التسلسل الهرمي للمعايير: "رغم أن هذا المشكل تقني صرف إلا أنه مهم فمثلا طرحنا سؤالا حول المرجعية التي سنعتمدها, الأمر ليس واضحا رغم أنه في الدستور هناك إجابة عن هذا السؤال في بعض الأماكن وغياب في أماكن أخرى"
الإشكال الثاني الذي طرح في وجه اللجنة هم مكانة الملكية في الدستور الجديد: "سواء من الأحزاب اليمينية أو اليسارية لم يقترح أحد تداخل الدين مع السياسة فقط أصوات قليلة وفردية هي من أشارت للأمر" يشرح الطوزي, الذي أضاف أن: "الإشارة إلى إمارة المؤمنين لا تعني مكانة أو وضعية ولكنها وظيفة وهذا التباس لم يحله الدستور الجديد".
أما ثالث إشكال صادف اللجنة عند مباشرة عملها هو البحث عن التوازن بين السلط ومسألة النصوص التشريعية, لكن أهم ما يميز الدستور الجديد يبقى حسب عضو اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور القديم أمرين اثنين: "الأول يقوم على توفر الدستور على إمكانيات حل الأزمات بين السلط ويمكن التأكيد على أن الاختلالات يمكن أن تتغير بسرعة. أما المعطى الثاني الذي يميز الدستور الحالي عن سابقه, فهم مفهوم الحكامة وعلاقتها بإمكانية ظهور سلطة مضادة والذي ينعكس في الإمكانيات المتوفرة للمعارضة مثلا" يؤكد الطوزي.
الفاعلين السياسيين دون المستوى ورهان التغيير يحمله القضاة
شكلت اقتراحات الفاعلين السياسيين الذين استمعت لهم اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور صدمة للأعضاء, ويرجع محمد الطوزي إلى كون الخطاب الملكي يوم تاسع مارس 2011 وما تلاه فيما بعد: "وضع سقفا لم تصل إليه مقترحات أغلب الفاعلين" يقول الطوزي.
عضو اللجنة الملكية لتعديل الدستور المغربي والتي عينها جلالة الملك محمد السادس في 10 مارس 2011, كانت تنتظر الكثير من الفاعلين السياسيين, لكن الاقتراحات التي تم عرضها على أنظار اللجنة كانت: "دون تطلعاتنا بكثير مما وضعنا في إشكالية كبيرة".
إظهار غياب الشجاعة لدى الفاعلين السياسيين في الاستفادة من الإمكانيات التي يحملها دستور فاتح يوليوز, جعل الطوزي يضرب مثلا بالتحالف الحكومي الحالي الذي يقوده حزب "العدالة والتنمية": "حينما أرادوا إخراج أول قانون تنظيمي تم إصدار ورقة تقديمية من صفحتين تعود إلى 1970 وهو ما يبين مدى فهم الفاعلين السياسيين الحاليين لحالة النص الدستوري" يقول الطوزي منتقدا غياب كفاءات قانونية بإمكانها إخراج قوانين تنظيمية تعطي للدستور الجديد بعدا ديمقراطيا أكبر.
أكثر من ذلك, عرفت اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور سيلا غزيرا من الاقتراحات من طرف الذين استمعت لهم اللجنة خصوصا حول الحكامة الجيدة والمجتمع المدني وهو ما يرى فيه الطوزي: "إشارات إلى وجود تخلف سياسي وقانوني". الإشارة إلى الفهم القاصر للفاعلين السياسيين وتشبعهم بثقافة يغيب عنها الشجاعة السياسية في استخدام إمكانيات النص الدستوري الجديد, يطرح مقابله بعض بصيص أمل من خلال التذكير بأن دستور فاتح يوليوز يعطي فرصة ظهور قوة سياسية معارضة. على أن الطوزي, وإن اكتفى بالتلميح إلى عجز القوى السياسية الحالية سواء في الأغلبية أو المعارضة, عن القيام بتأويل ديمقراطي متقدم لمضامين الدستور الحالي, فإنه يرى في القضاة إمكانية دفع عجلة التغيير من خلال ما يرصده من تحركاتهم الرامية للتنظم في إطارات مهنية ونقابية تدافع عنهم.
غياب النقاش وأماكن الاستمرارية والقطيعة في الدستور الجديد
من أكثر ملاحظات الطوزي حول سياق دخول الدستور الجديد حيز التنفيذ هو ما رافقه من غياب النقاش حول مضامينه حيث كانت اللجنة تستمع فقط إلى مقترحات الهيئات التي تستقبلها, ليتساءل عن الوقت الذي كان مناسبا لفتح نقاشات عمومية حول مشروع الوثيقة الدستورية آنذاك. بالمقابل يرى الطوزي أنه: "ربما كان هناك نقاشات صغيرة مثل هجوم مصطفى الخلفي وزير الاتصال والناطق الرسمي الحالي باسم الحكومي في افتتاحياته بجريدة التجديد على ما سماه العلمانيين وما إلى غير ذلك لمدة 10 أيام, يمكن أن ......."
لكن أكثر من غياب النقاش حول مضامين الدستور قبل طرحه على الاستفتاء في فاتح يوليوز من السنة الماضية, يشير الطوزي إلى: "انعدام الثقة في المؤسسات وغياب ثقافة ديمقراطية تجعل الفاعلين يبحثون عن مخارج غير ديمقراطية بحيث تلقينا طلبات كثير بدسترة المجتمع المدني ويعني لي هذا غياب الثقة في الأحزاب السياسية وفي المؤسسات". الطوزي سيذهب بعيدا في تشريح أجواء الثقة بين مختلف الفاعلين الذي ساهموا في صياغة دستور فاتح يوليوز من خلال التأكيد على أنه: "حتى القضاة كانوا ضمن الفئات التي طلبت التوافق حول تمثيليتها في هيئات استشارية ينص عليها الدستور الجديد بدلا من الانتخاب وهو أمر في غاية الدلالة".
وقد كان تقييم عضو اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور للفاعلين السياسيين واضحا عندما أشار إلى كون الدستور الجديد لم يتحدث عن الأقليات: "لم يأت أي حزب سواء من الأغلبية أو المعارضة على ذكر الأقليات وهو ما يعني أنهم لا يتوفرون على أي ضمانات" يضيف الطوزي.
يبقى الحكم على منتوج اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور مرتبطا بما سيقوم به الفاعلون على أرض الواقع من استغلال الإمكانيات المتوفرة, وفي هذا الإطار يعطي الطوزي مثلا ب: "إمكانية دعوة بنكيران للعمال والولاة إلى اجتماع على عكس تعذر هذا الأمر لعبد الرحمان اليوسفي في وقت سابق, لكن يبقى هذا الأمر متوقف على ابن كيران بنفسه. هل يمكن أن يستدعي الولاة والعمال, رغم أن تراجعه في دفاتر التحملات السمعي البصري يمكن أن تعطينا إشارة إلى ما يمكن يقوم به" يحلل الطوزي.
الكرة في مرمى السياسيين
في ظل الاستمرارية التي أشار إليها أستاذ العلوم السياسية محمد الطوزي, حفل الدستور الجديد ببنود تشكل قطيعة مع الماضي لعل أبرزها حسب رأيه: "ضرورة مرور الملك عبر الدعوة إلى انتخابات لإحداث تغيير". لكن في المجمل, يخلص عضو اللجنة الاستشارية إلى كون الدستور, وإن كان لا يشكل تغييرا جذريا في حد ذاته والذي أراده صانعوه أن يشكل استمرارية, يحمل في طياته شروط التغيير لتبقى رهينة بمدى جرأة الفاعلين السياسيين على الدفع بالأمور لإحداث التغيير المطلوب, حسب ما يعتقد الطوزي.