في الوقت الذي لا يتذكره أحد داخل بلده، مثلما حصل مع كثيرين ممن أفنوا زهرة شبابهم في خدمة قضايا الوطن ورفع أصواتهم في الخارج دون أن يأخذوا ما يستحقونه على الأقل، توج الإعلامي والكاتب والروائي سعيد الجديدي من وراء البحار، اعترافا بعطاءاته الغزيرة وإنتاجاته المتعددة في مجالات الإعلام والتحليل السياسي والكتابة الروائية والقصصية بلغة سرفانتس.
فقد تم تعيينه «الرئيس الوطني» للاتحاد العالمي للكتاب الناطقين باللغة الإسبانية في المغرب، وهو ما يعد تتويجا للمغرب في شخص الجديدي، كونه البلد العربي والإسلامي والإفريقي الوحيد الذي يتم اختياره داخل الاتحاد لكي يحظى بشرف تعيين رئيس وطني له فيه، علما بأن للاتحاد حضورا في خمسة وأربعين بلدا عبر العالم، وله دور طلائعي في تنشيط الدبلوماسية الثقافية بين البلدان التي تنتشر فيها اللغة الإسبانية. وقد تم إنشاؤه سنة 1992 بالبيرو، في أفق توحيد أصوات الكتاب والأدباء الناطقين بهذه اللغة، ويضم اليوم في قائمته أزيد من أربعة آلاف عضو، من مختلف الجنسيات.
المفارقة أن تعيين الجديدي تم بالإجماع داخل الاتحاد، وهو ما يعني أن الرجل يتوفر على سجل حافل في مضمار الكتابة بالإسبانية واطلاع واسع على الثقافة الإيبيرية مكـَّناه من نسج شبكة عريضة من العلاقات في مجالات الفكر والأدب والسياسة، جعلها دائما في خدمة بلده، من خلال مواقفه التي يعرفها من يطلع على كتاباته ويتابع إنتاجاته المتعددة. وقال كارلوس كيريدو تشالين، الرئيس التنفيذي للاتحاد، في رسالته إلى المجتمعين، إن الاتحاد، الذي «يتشرف بقبول سعيد الجديدي الانضمام إليه»، يعتز بأن الكاتب المغربي «من أبرز الكتاب العالميين الناطقين باللغة الإسبانية».
وقد عمل الجديدي منذ سبعينيات القرن الماضي في القسم الإسباني بالتلفزة المغربية، القسم الذي أشرف عليه قبل إحالته على التقاعد. كما عمل في صحيفة «إيل باييس» الإسبانية بمدريد قبل أن يصبح أول مراسل لها من المغرب؛ وكان أحد الصحافيين القلائل الذين أشرفوا على تجربة «إذاعة العيون» بالصحراء في منتصف السبعينيات أثناء المسيرة الخضراء، لمواجهة الدعاية المضادة التي كانت تبثها الإذاعات الناطقة بالإسبانية من الجزائر وتيندوف، التابعة لجبهة البوليساريو؛ وساهم في إنشاء أول أسبوعية مغربية ناطقة باللغة الإسبانية هي «لامانيانا» التي كانت تصدر عن مجموعة «ماروك سوار»، بعدما كلف الراحل الحسن الثاني وزير الدولة أحمد العلوي بإصدار صحيفة ناطقة باللغة الإسبانية للانفتاح على الضفة الأخرى.
وإلى جانب انشغالاته الإعلامية، ظل الجديدي مرتبطا بالكتابة الروائية والقصصية باللغة الإسبانية، حيث أصدر حتى الآن حوالي ست روايات، حاز بعضها جوائز في إسبانيا وبعض بلدان أمريكا الجنوبية. وله رصيد يتكون من مئات المقالات والأبحاث في الدفاع عن قضية الصحراء وصورة المغرب في إسبانيا وأمريكا اللاتينية. وكانت روايته الأخيرة «11 مارس ـ مدريد 1425» قد أثارت جدلا في الصحف الإسبانية لدى صدورها قبل ثلاث سنوات، كونها أول رواية مغربية وعربية تتطرق إلى تفجيرات الحادي عشر من مارس في مدريد عام 2004، التي وجهت الاتهام إلى المغرب بشكل أتوماتيكي.
بيد أن سعيد الجديدي هو، اليوم، صوت قوي في نطاق الدبلوماسية الثقافية في العالم الإسبانو ـ لاتيني؛ والتتويج الذي يحصل عليه اليوم هو، في الحقيقة، تتويج لصورة المغرب في هذه الدائرة الثقافية واللغوية. وهي مناسبة للتذكير بأهمية وخطورة هذا النوع من الدبلوماسية الذي أهمله المغرب طويلا، بل ربما لم يكن في أجندة المسؤولين المغاربة الذين لايزالون يراهنون على الدبلوماسية الكلاسيكية كقناة وحيدة للتواصل مع الآخرين، على الرغم من عثراتها العديدة؛ فكثيرا ما نسمع عن الدبلوماسية الشعبية والدبلوماسية الدينية والدبلوماسية الثقافية، لكن الحصيلة تبقى مخيبة للآمال، الأمر الذي يكشف أن تلك المسميات لا تعكس وجود استراتيجية حقيقية وراءها، بقدرما هي تعابير موسمية يتم اللجوء إليها وقت الحاجة لإعطاء الانطباع بأن هناك شيئا ما يتحرك.
المساء