اعتبر متتبعون للشأن السياسي في المغرب ولادة حكومة بنكيران الثانية ، انتصارا للتوافق الديمقراطي و حالة ناذرة في المنطقة العربية. فالهزات و الصراعات بين الإسلاميين و الليبراليين التي تحدث في دول الربيع العربي بقي المغرب في منأى عنها بفضل الدور الذي تلعبه المؤسسة الملكية كضامن للاستقرار و كصمام أمان من التقلبات السياسية في مناخ مضطرب و متقلب.
فخلال كل مرحلة المفاوضات العسيرة بين التجمع الوطني للأحرار عبر رئيسه صلاح الدين مزوار و عبدالاله بنكيران ، تصرف الملك محمد السادس برزانة و تجرد، تاركا الكل يتحمل مسؤوليته كاملة في المفاوضات ، و ملتزما بالبقاء كأب للجميع بغض النظر عن اللون السياسي.
و كان احترام مقتضيات الدستور هو الفيصل في هذه العملية برمتها، و هو ما يبرر صدور بلاغات سياسية لكل من مزوار و بنكيران يؤكدان فيها سبب تأخر الإعلان عن الحكومة و ينفيان تدخل القصر في المشاورات.
و خلال هذه المرحلة العصيبة استمع الملك محمد السادس لكل الأطراف بما فيهم حميد شباط الذي فضل الخروج للمعارضة. كما أعطى التوجيهات للجميع طالبا بأن يبقى وزراء الاستقلال في الحكومة لتصريف الأعمال و لضمان السير العادي للمؤسسات. كما أن عاهل البلاد أعطى التعليمات ليكون كل شيء جاهزا قبل الدخول البرلماني لكي لا تتعطل المؤسسات و هو ما حصل بالفعل، ليظهر بالملموس الدور الدستوري الذي تلعبه المؤسسة الملكية في البلاد.
و بالرغم من كثرة القيل و القال حول بطئ المفاوضات لتشكيل حكومة جديدة، 6لا أن الكل لاحظ أن دواليب الدولة كانت تشتغل بشكل عادي و بدون أزمة سياسية في البلاد. هذه الوضعية تثبت أن المغرب بلد له 15 قرن و أن استمرار الدولة لا يمكن أن يبقى رهننا بمفاوضات سياسية أو بيد حزب سياسي.
محمد الحمراوي