المخرج المغربي محمد العبودي التحق، عمل ثماني سنوات في التلفزيون الهولندي في مجال إعداد البرامج الوثائقية وشارك من خلالها في برامج مختلفة بمعظم الدول الأوروبية، ثم اشتغل بالفيلم الوثائقي التكوين المستمر الذي حاز من خلاله على عدة ألقاب.
حاورته : زبيدة الخواتري
تلقى محمد العبودي تكوينا أكاديميا أهلك فيما بعد للاشتغال بالأفلام الوثائقية المطولة وأيضا القصيرة فما هي أوجه الاختلاف بين التجربتين؟
حصلت خلال تكويني الأكاديمي على ماستر في تخصص سينما الخيال العلمي وعند عملي بالتلفزيون الفنلندي اكتشفت الفيلم الوثائقي المختلف كثيرا عن النوع الأول الذي تختار فيه أنت الموضوع وهو يتطلب نفسا طويلا وهو عالم يدخل في جانب العلاقات الإنسانية ويتطلب كثيرا من البحث والتركيز ويجب أن ينطوي أيضا على إيمان بالفكرة وثقة في فريق العمل والحفاظ على علاقات جيدة مع الأشخاص حتى يفتحوا لك قلبهم ويحكوا قصتهم ، في حين عند عملي بالتلفزة كانت المؤسسة المنتجة هي التي تختار ثمة معينة كل شهر وتكون حريصة على معالجة الظواهر التي يعنى بها المجتمع والتحولات التي يعرفها كما أن وقت الإعداد والتصوير هو محدد بفترة زمنية قصيرة وقد يقترب في كثير من الأحيان من الروتين أي يصبح كعمل آلي فيه تكرار لنفس الأشياء.
قمت بانجاز فيلم تسجيلي يحمل عنوان "نساء بدون هوية " وموضوعه كما يتضح من العنوان هو ثنائية المرأة والهوية وقد تعرضت من خلاله لفئة محددة من النساء هن فتيات ليل في المجتمع المغربي فما هي خصوصية هذه التجربة ؟
أعتبر أن فيلمي التسجيلي "نساء بدون هوية " هو بمثابة الرقص الذي يقوم به الخارجون عن القانون والمجتمع وهو في الأصل مجموعة من النساء يعشن ربما على حافة المجتمع ومن الأفراد المرفوضين والمنبوذين داخله ، حيث أضحت هؤلاء النساء مقصيات ولا أهمية لهن . وبما أنني تعمقت في الظاهرة من خلال البحث وجدت أنهن نساء عاديات أقصى ما يبحثن عنه هو الاعتراف ولهن الحق في الوجود وأن تعيش كل واحدة منهن داخل كنف أسرة وبكرامة . ولهذا اخترت هذا الاسم لأنهن بدون هوية فعلا ، فهن فتيات ليل لا أسرة ولا منزل يضمن لهن الاستقرار ومعظمهن تعرضن للاغتصاب في سن صغيرة ولم يقف الأمر عند المعاناة الجسدية بل تعداها لاغتصاب فكري ونفسي استمر منذ الطفولة للشباب وفقدت معه العائلة وحتى الهوية لذلك اخترت اسم "نساء بدون هوية" لأنهن أيضا أميات لا إلمام لهن بالتعليم وبحقوقهن وواجباتهن ولا وعي لهن .
ألا ترى بأن زاوية المعالجة موضوع العمل وهي نساء الليل هي عبارة عن مادة مستهلكة تناولتها العديد من الأعمال فلماذا لجأت لهذا الاختيار هل هناك جديد مختلف تناولته؟
محمد العبودي
يتطلب انجاز أي عمل سواء كان أدبيا أو سينمائيا أو حتى برنامج تلفزيوني الاشتغال على عينات محددة تنتقي منها ما يناسبك وموضوع العمل اخترته لأنه لامسني أكثر وعشته في بلدي ، وعلى الرغم من رفض التلفزيون الفنلندي إعطائي الدعم لانجازه باعتباره عملا لا يمس بأي شكل من الأشكال المجتمع الفنلندي إلا أن الرغبة كانت قائمة وتشبت بهذا الاختيار لأن هؤلاء النساء في معظمهن ينتمين لقرى نائية صغيرة ، وهن أمهات عازبات ينجبن عددا من الأطفال هم بدوره ضحية لا يحصلون على تمدرس أو أي اهتمام إلا الإقصاء والرفض من المجتمع فيصبح هذا الطفل بدوره إما ضحية اغتصاب أو مغتصب ومتطرف ينحو للعنف حتى ضد أقرب الناس إليه وهي الأم فيكرس من جديد النظرة السلبية للأطفال المجهولي النسب ويكون عبئا جديدا على المجتمع.
وأؤكد أن الاختيار نابع أساسا من كوني مغربي ومتعاطف ربما مع هموم المجتمع المغربي لذلك عملت في هذه التجربة .
هناك بالمقابل نساء مغربيات مكافحات تخطين عتبة الفقر والقهر والظلم واستطعن في الظروف الحالكة تبديد الظلمات والوصول لمكانة متميزة فلماذا لا يتم إبراز هذه الصورة أيضا حتى لا تكون حتى الأفلام الوثائقية تكريسا للعقلية الذكورية عن المرأة الدمية والمقهورة والتي هي عبارة عن كتلة عورات ومحرمات موسومة بخطر الاقتراب؟
لا أحد يمكن أن ينكر هذه الفئة من النساء اللواتي وصلن لمناصب مرموقة لكن هذه ربما طبقة ليست بحاجة لمن يأخذ بيدها لأن استطاعت فرض حضورها عبر قوة شخصيتها ووعيها وغير ذلك إنما هؤلاء النساء المستضعفات من سيأخذ بيدهن ويعبر عن معانتهن.
يعمد كثير من المخرجين للعب على بعض الطابوهات منها الجنس وجسد المرآة ولاحظنا كيف تلقى دعما فهل الاختيار هو فقط تجاري للترويج لهذه الأعمال أم تعبر فقط عن مكبوتات يعانيها المجتمع العربي الذي يتميز بميله نحو الجانب العاطفي في التفكير والتعامل؟
أرى أن هذا الاختيار على العكس من ذلك ليس سلبيا بل ايجابيا ويجب التعبير عنه وعدم إغفاله لأن الحديث عن فتاة الليل أو المرأة التي كانت ضحية حديث اغتصاب وأنجبت بشكل غير شرعي هي ابنة هذا المجتمع وتعنيني بشكل كبير لأنها ممكن أن تكون الابنة أو الأم أو إحدى القريبات ، ومادام هناك عدة أعمال تناولت هذا الجانب فأكيد أن الموضوع فيه خلل ورسالة بحاجة لإبراز مما يعني الحاجة لمزيد من الأعمال التي تبرز الظاهرة التي لا يجب أن تكون أبدا لأننا كمجتمع خلال القرن 21 يجب أن نكسر النظرة التي تربط شرف الإنسان والأسرة بسلامة البكارة وتعرض من فقدها للرفض والإقصاء بكل الأشكال.
ما هي العوائق التي واجهتك في انجاز هذا العمل؟
أول عائق يواجه الفيلم الوثائقي بشكل عام هو مشكل التمويل والحصول على الدعم ولكن فيما بعد صورناه في فنلندا ولقي أصداء طيبة ثم تخطى حدود هذا البلد وانتشر أيضا في بلدان أوروبا الغربية كاسبانيا فرنسا بلجيكا وغيرها في مهرجانات مختلفة مغربية وأجنبية.وكما حصل على جائزة أحسن فيلم في حقوق الإنسان بسويسرا وجائزة لجنة التحكيم بفنلدا وبطنجة ثلاث جوائز.
تحضر لعملين جديدين فما هي المواضيع التي اشتغلت عليها؟
من "نساء بدون هوية"
الفيلم الأول يحكي عن الربيع العربي والديكتاتوريات العربية ومصر نموذجا من خلال أسرة مصرية وكيف تأثرت بديكتاتورية مبارك وكيف هاجر الأب حتى يعبر بكل حرية خارج بلده وقد صور بين فنلندا ودبي .والإنتاج الثاني يذهب في نفس الاتجاه لكن بطريق فنانة الرقص الشرقي التي تقصد مصر لتعلم أصوله بعد صعود حكومة الإسلاميين وكيف سيكون الفن في ظل هذه الوضعية.
بما أنك اشتغلت في أعمالك على مصر كنموذج ومن خلال زيارتك لهذا البلد فهل تلمس تغييرا فعليا اليوم؟
أعتقد أن ما حصل في مصر عبارة عن تجربة مهمة في العالم العربي وكل زائر سبق وزار مصر قبل وبعد الثورة باستطاعته أن يلمس هذا التغيير والتحول الذي انطلق من ميدان الثورة بكل صمود وإسرار ليصل لمبتغاه وهو تحقيق التغيير . ولا يمكن التكهن بالنتائج الآن لأننا بطبيعتنا كعرب نعتمد بالأساس على الأحاسيس مما يعطي نوعا من الانفعال في التعامل مع ظرف معين لكن في المستقبل لا ندري ما قد يحصل فلا أحد قبل سقوط مبارك كان يتوقع أن يصعد النظام الإسلامي الذي طالما تعرض للقمع في حين أبان عن جاهزيته فور سقوط مبارك وكأنه نظم أوراقه بشكل خفي وجيد واستغل الفرصة مما فسح المجال أمامه للوصول لسدة الحكم.
ما هي القيمة المضافة الذي ترى أن الفيلم التسجيلي يمكن أن يضيفها ، وهل ترى أن وضعية الفيلم التسجيلي مقارنة بالفيلم الطويل تسير في أحسن الأحوال؟
أرى أن وضعية السينما في المغرب هي في تطور مستمر لأنها أصبحت جريئة لا تخاف من التطرق لمواضيع كانت سابقة محرمة وأعتقد أنه يجب إعطاء الفرصة للفيلم الوثائقي أيضا لأن يلعب دورا فعالا في التوثيق للمجتمع وأيضا يلامس الواقع وهو ما نحتاجه لأنه يستطيع بأسلوب واضح إيصال كثير من المعلومات الغائبة وربما هو تاريخ الضعفاء والمهمشين ، وأن يكون هناك نوع من التساوي بين كافة أصناف الأفلام سواء الطويلة أو الوثائقية ، ويجب تعويد المشاهد على متابعتها وهو ما يتطلب عملا في المستوى الذي يفرض بقوة دعما يوازيه ويوازي حماس الشباب الذي يتطلع بخطى ثابتة لصناعة أفلام جيدة ترقى لذوق وطموح المتلقي في كل مكان.