اتسم الخطاب الذي وجهه الملك محمد السادس، مساء الثلاثاء، بمناسبة تخليد الذكرى الستين لثورة الملك و الشعب، بأسلوب قوي و مباشر يسمي الأشياء بمسمياتها و يحدد مكامن الضعف و الاختلالات في قطاع التعليم العمومي .
و زيادة على ذلك فقد أعطى الخطاب الملكي أمثلة دقيقة على تلك الاختلالات و عددا من التوجيهات لتجاوزها. و خاطب جلالته الشعب بلغة بسيطة ومفهومة من جميع الفئات تنفد إلى قلوبهم و عواطفهم، حيث أن ملايين الأسر ينتابها القلق على مستقبل أبنائها. و نظرا لحساسية الموضوع و ارتباطه بكل فئات الشعب بدون استثناء، فقد اختار ملك البلاد أسلوبا عمليا مفهوما و واضحا. كما وجه عاهل البلاد رسائل قوية و مباشرة لكل الفاعلين في القطاع قصد التحرك قبل فوات الأوان.
كما تضمن الخطاب قرارات هامة لهذا القطاع الحساس و المصيري تتعلق بتفعيل المجلس الأعلى للتعليم في صيغته الحالية عملا بالأحكام الانتقالية التي ينص عليها الدستور، وذلك لتقييم منجزات عشرية الميثاق الوطني للتربية والتكوين، والانكباب على هذا الورش الوطني الكبير".
و لأول مرة اختار الملك محمد السادس أمثلة من مساره الشخصي ، و قد جمع الخطاب الملكي في تشخيص واقع المنظومة التربوية، و ما تواجهه من مشاكل و صعوبات، بين أسلوب التحليل الدقيق و بين الإحساس الإنساني النبيل النابع من التجربة الشخصية لجلالته كتلميذ في المدرسة المولوية و كطالب بكلية الحقوق بجامعة محمد الخامس، تم لاحقا، كأب، له ، ككل الآباء، نفس الهواجس المرتبطة بتعليم الأبناء، حيث قال " إن الإقدام على هذا التشخيص لواقع التربية والتكوين ببلادنا، والذي قد يبدو قويا وقاسيا، ينبع بكل صدق ومسؤولية، من أعماق قلب أب يكن، كجميع الآباء، كل الحب لأبنائه"، و يتقاسم معهم " نفس الهواجس المرتبطة بتعليم أبنائنا، ونفس مشاكل المنظومة التربوية، ما داموا يتابعون نفس البرامج والمناهج التعليمية". مضيفا جلالته أن " المهم في هذا المجال، ليس المال أو الجاه، ولا الانتماء الاجتماعي، وإنما هو الضمير الحي الذي يحرك كل واحد منا، وما يتحلى به من غيرة صادقة على وطنه ومصالحه العليا".
و جائت مصارحة الملك لشعبه في نفس الخطاب غيرة منه على مصالح البلاد و حرصا منه على خدمة المصالح العليا للوطن. كما يجسد ذلك عدم انحياز الملك لمصالح ذاتية أو فئوية بل استجابة لما يؤرق كل الآباء بكل أطيافهم و مشاربهم. فالتعليم قضية وطن و شعب بكامله.
و يبقى اختيار مناسبة ذكرى ثورة الملك و الشعب للحديث عن مشاكل التعليم له دلالة بالغة، فرغم أن المناسبة تتزامن مع العطلة الصيفية، إلا أننا على بعد أيام من الدخول المدرسي و الجامعي المقبل، حيث الكل يستعد للمناسبة. كما أن ترابط هذه الإشكالية التي تؤرق الجميع ، دفعت ملك البلاد للتدخل و أخد زمام المبادرة لإعادة الأمور لنصابها ، من خلال مبادرات بناءة من بينها تفعيل البرنامج ألاستعجالي للتعليم.
و رغم أن الملك محمد السادس نبه لمشكل التعليم في عدد من الخطب و منها خطاب السنة الماضية، إلا أن الحكومة الحالية تظهر و كأنها غير معنية بالموضوع و مستقيلة من تسيير موضوع يؤرق كاهل كل الأسر و الآباء. و هو ما يعطي للخطاب وجاهة و دقة في التوقيت, فالحكومة أصبحت اليوم مطالبة بالتحرك العاجل لترفع من وثيرة أدائها، و تضع الموضوع على قائمة أولوياتها عوض الخوض في سجالات عقيمة و هامشية.