كشف تقرير صادر عن المجلس الوطني لحقوق الانسان عن اختلالات كبيرة لقطاع الطب الشرعي بالمغرب،أبرزها غياب بنية مخصصة لإجراء عمليات التشريح في حالة الوفاة ، حيث يضطر الأطباء إلى ممارستها بمستودعات الأموات بالمستشفيات أو في مستودعات الأموات البلدية التي تتسم بتقادم مبانيها ومعدات التبريد بها ، فضلا عن قلة عدد الأطباء المتخصصين في الطب الشرعي حيث لايتجاوز عددهم 13 طبيبا متخصصا ، فيما مكنت بعض التكوينات من توفير نحو 70 طبيبا تابعا لمكاتب حفظ الصحة، و15 طبيبا للدرك الملكي في مجال أنشطة التشريح، كما يشكو المجال من ضعف الموارد المالية والفوضى التي ترتبط بعدم ضبط مسألة تسليم شواهد الطب الشرعي في المستشفيات .
وفي هذا الصدد أوصت الدراسة التي قدمت صباح الاثنين بالمجلس الوطني لحقوق الانسان تحت عنوان"أنشطة الطب الشرعي بالمغرب- الحاجة لإصلاح شامل" بإحداث بنية مركزية لإعداد وأجرأة مخطط مديري لناشط الطب الشرعي، يكون على شكل مجلس وطني أعلى للطب الشرعي يتألف من مختلف المتدخلين المؤسساتيين والمهنيين المعنيين بهذا القطاع، مع ضرورة وضع إطار تشريعي وتنظيمي متكامل لأنشطة الطب الشرعي وذلك لتحديد المؤهلات المطلوب توفرها في الأطباء لممارسة الطب الشرعي، وتحديد مجال تدخل الطبيب الشرعي، وكذا تحديد المؤسسات المخول لها ممارسة هذا المجال، والمعايير المطلوب توفرها في البنية التحتية والتجهيزات المتعلقة ووضع المعايير والقواعد الأساسية المتعلقة بمختلف الخدمات الطبية الشرعية.
هذا ووضع فريق العمل ست محاور كبرى تضمنت عددا من التوصيات لإصلاح قطاع الطب الشرعي ، وهي التوصيات التي كانت محور جلسة عمل ومصادقة خلال شهر ماي الماضي من قبل ممثلين عن الدرك الملكي ومديريتي المنازعات والتنظيم والمستشفيات بوزارة الصحة، ومديرية الشؤون اجنائية والعفو بوزارة العدل والحريات ، والمديرية العامة للجماعات المحلية بوزارة الداخلية والشرطة العلمية بالمديرية العامة للأمن الوطني .
و طالب إدريس اليازمي رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان على ضرورة الإصلاح الشامل لمنظومة الطب الشرعي الذي يكتسي أهمية بالغة في ضمان سير العدالة سواء في القضايا المدنية أو الجنائية في التحقيقات المرتبطة بالمساس بحياة الأفرد أو سلامتهم البدنية، فحص أو تشريح الجثة في حالة الوفاة وإصدار شهادة الطب الشرعي في حالات الضرب أو الجرح العمدي أو غير العمدي أو الاعتداء الجنسي ، بل ويلعب دورا حاسما في التحقيق والتحري بشأن ادعاءات سوء المعملة أو التعذيب ، خاصة في حالة الأشخاص المجودين رهن الاعتقال أو الموضوعين تحت الحراسة النظرية .
وأوضح اليازمي في كلمة له، أن هذه الدراسة التي تم إنجازها بطلب من المجلس تندرج في إطار المذكرات التي أعدتها المؤسسة لمواكبة النقاش الوطني حول إصلاح العدالة (المحكمة الدستورية، الدفع بعدم دستورية القوانين، المجلس الأعلى للسلطة القضائية، ..)، بل وهي تندرج بالأساس في إطار روح توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة ،إذ شددت لجنة متابعة تنفيذها على أهمية تطوير خدمات الطب الشرعي وتقوية موارده البشرية ورفع ميزانيته .
وضعية كارثية و بعد عن المعايير الدولية
وكشف الطبيب الشرعي هشام بنعيش مدير معهد الطب الشرعي بالمستشفى الجامعي بن رشد بالدار البيضاء الذي أشرف على الدراسة التي أعدها المجلس الوطني لحقوق الإنسان والتي تم تقديم مضامينها صباح أمس الاثنين بمقر المجلس بالرباط،،عن المعطيات الصادمة التي تحيط بممارسة مهنة الطب الشرعي بالمغرب والتي توجد في وضع بعيد عن المعايير المتعارف عليها دوليا ، حيث يضطر الطبيب الشرعي إلى فحص أو تشريح الجثة في حالة الوفاة، داخل بنايات متقادمة لاتتوفر فيها التجهيزات الكفيلة بضمان جودة عملية التشريح.
وأوضح في هذا الصدد أن الفريق الذي أعد الدراسة والذي شملت مهمته القيام بزيارة المحاكم الابتدائية والمراكز الاستشفائية ومكاتب حفظ الصحة البلدية بكل من طنجة ،الجديدة ،آسفي ،خريبكة والرباط، فاس والدارالبيضاء،خلال الفترة الممتدة ما بين شهري يناير وفبراير 2013،سجل الظروف غير الملائمة التي يشتغل فيها أطباء الطب الشرعي،إذ هم مطالبون بالاستجابة لطلبات القيام بالتشريح حيث يقومون يوميا بتشريح ثلاث جثث يوميا ،وتتم هذه العملية على طاولات بدائية بمستودعات الأموات البلدية أو مستودعات الأموات بالمستشفيات والتي يوجد بها معدات متآكلة بل وهي بذلك لاتتوفر على المعدات الضرورية التي يتطلبها القيام بالمهمة، فمثلا المستودع البلدي للأموات بطنجة لايتوفر على منشار آلي في حال تطلب الأمر فتح جمجمة الضحية.
وكشف في هذا الإطار عن الإكراهات التي تحيط بممارسة الطب الشرعي الذي يلعب دورا بالغ الأهمية في التحقيقات الجنائية المرتبطة بالمساس بحياة الأفراد أو سلامتهم البدنية،من خلال القيام بفحص أو تشريح الجثة في حالة الوفاة وإصدار شهادة الطب الشرعي في حالات الضرب أو الجرح العمدي أو غير العمدي أو الاعتداء الجنسي ، بل وكذا خلال التحقيق والتحري بشأن ادعاءات سوء المعاملة أو التعذيب أو في الإجراءات المتعلقة بتحديد ضحايا الكوارث الجماعية أو بقايا الهياكل العظمية أو تحديد سن الضحايا أو المشتبه فيهم ، وخلال قيامه أيضا بتقييم الأضرار الجسمانية أو النفسية للأشخاص المعتقلون في إطار الحراسة النظرية.لالأ.
وأبرز خلال تشريحه للوضع الحالي للطب الشرعي بالمغرب عن وجود نقص في الأطر الطبية المختصة في مجال التشريح، قائلا" باستثناء الأطباء المختصين في الطب الشرعي، فإن أطباء المستشفيات الذين يمارسون التشريح ليس لهم أي تكوين في المجال، كما أن عددا مهما من الأطباء في مكاتب الصحة بالبلديات المكونين في مجال التشريح مشرفون على سن التقاعد مما يطرح إشكالية الخلف بحدة في المدى القصير .
تضارب المصالح و انعدام الشفافية
كما أشار إلى أحد الاختلالات الكبرى التي تعرفها حالات ممارسة الفحوصات الطبية الشرعية للجثث إذ لاتمارس في أماكن اكتشافها إلا نادرا، وإلى الفوضى التي تطبع مسألة تسليم شواهد الطب الشرعي، حيث أن هذه الأنشطة في أغلب الحالات غير مهيكلة ، ولاتمارس النيابة العامة إلا مراقبة افتراضية على جودة تلك الشواهد المسلمة والتي تكون العديد منها مكتوبة بخط تصعب قراءته حتى من قبل الأطباء، بل ويفتقر محتواها للمعاينات الموضوعية ولا يتضمن أي تعليل لمدة العجز التي يتم تقديرها، مشيرا من جهة إلى أن الأطباء المكلفين بإجراء عمليات التشريح لايتم دائما إطلاعهم برهانات وغايات التحقيق ، بل ولايتم تأطيرهم أو تقييم عملهم الأمر الذي ينجم عنه ضعف أدائهم في التحقيقات الجنائية ، حيث غالبا ما يكون التقرير المنجز من طرفهم عبارة عن صفحة واحدة لاتتوفر فيها المعطيات الكافية بل ولاتتصف بالجودة المطلوبة في مثل هذه التقارير،حسب المتحدث.
وأفاد أن اللجوء إلى مسطرة الانتداب لمعاينة آثار العنف لايتم إلا نادرا ويقتصر قي غالب الأمر على معاينة العنف الجنسي،فيما عمليات فحص الأشخاص الموضوعين تحت الحراسة النظرية لازالت نادرة بالمغرب.في حين أن الخبرة الطبية القضائية والتي يتم إسنادها بشكل عام للأطباء المسجلين في جداول الخبراء المقبولين لدى محاكم الاستئناف، كشف الدكتور بنعيش أن هؤلاء الأطباء ليس لأغلبهم أي تكوين مسبق في مجال الخبرة الطبية القضائية وتقييم الأضرار الجسدية، مشيرا إلى العائق الذي يمثل نظام الوظفية العمومية والذي يمنع الأساتذة الجامعيين وإخصائيي الطب الشرعي من التقيد في هذا الجدول لممارسة هذه الخبرة.
ووقف فريق الخبراء الذي أعد الدراسة على الخلل الذي يطبع هذا الجانب حيث يقوم بعض القضاة بتكليف خبراء لإجراء خبرة في مجال خارج اختصاصهم، مشيرا إلى ظاهرة تركيز إسناد الخبرات بين أيدي مجموعة من الخبراء دون غيرهم، وكذا ظاهرة وجود عدد من الخبراء الذين يشتغلون في الوقت ذاته أطباء مستشارين لدى شركات التأمين التي تكون طرفا في القضايا المطروحة على القضاء، الأمر الذي يضرب فب العمق مبدأ استقلالية الدراسة تشير الدراسة.