اعتبر المركز المغربي لحقوق الإنسان تغاضي الحكومة المغربية عن انتهاك حقوق خادمات البيوت أمر مستهجن وغير مقبول، كما اعتبر عمل سماسرة جلب خادمات البيوت من إندونيسيا وغيرها تجارة دولية في البشر، وجب التحقيق بشأنها، ومعاقبة ممارسيها، باعتبارها جرائم ضد الإنسانية،. و طالب القضاء المغربي بالإسراع في محاكمة منتهكي حقوق المواطنة الإندونيسية أنيتا بنت سوكانجي، وكافة ملفات خادمات البيوت، حيث أن البطئ الكبير في معالجة هذه التظلمات يزيد من معاناة المتضررين، وينطوي على انتهاك آخر لحقوقهن أكثر وطئة وأذى و بتفعيل القانون المتعلق باستقدام العمالة الأجنبية.
و طالب المركز الحكومة المغربية بضرورة احترام مضمون الدستور في موضوع خادمات البيوت، واحترام الاتفاقية الدولية حول العمل اللائق لعمالة المنازل التي تم إقرارها خلال الدورة المائة لمنظمة العمل الدولية، وذلك من خلال تفعيل إجراءات تقنين استخدام العمالة الأجنبية، وإخضاعها لرخصة الوزارة المكلفة بالشغل، وتقنين الوساطة في مجال تشغيل عمال المنازل المغاربة والأجانب من طرف الوكالات المرخص لها، وإعطاء الحق لمفتش الشغل للتدخل في إطار مسطرة المصالحة في مجال نزاعات الشغل وإعطاء الحق لعاملات وعمال المنازل للتصريح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وكذا إقرار عقوبة حبسية في حالة العود.
عبودية من نوع جديد و سماسرة يتاجرون في البشر
و يعرف المغرب، ولسنوات عديدة انتشارا وازدهارا كبيرا لمهنة خادمات البيوت، حيث تتحدث الأرقام عما يناهز الخمسين ألف، غالبيتهن قاصرات، كما أنها تضم عددا من الوافدين من دول أخرى، خاصة من دول جنوب شرق آسيا.
وإذا كنا نعترف بأن الظروف الاجتماعية وتطور نمط الحياة، قد فرضا على المرأة ولوج مجال الشغل خارج بيت الأسرة، لتضطر شريحة مهمة من الأسر المغربية للاستعانة بخادمات البيوت، فإن غياب إطار قانوني، بقوانين ناجعة، وإجراءات مسطرية فعالة للحد من معاناة هذه الفئة، تظل أمرا مثيرا لقلقنا، وموضوع تقارير من منظمات حقوقية وطنية ودولية.
وقد أخذ موضوع خادمات البيوت نصيبه في الإعلام، حيث برزت معطيات تؤكد اشتغال تلك العاملات في ظروف قاسية جدا، ومحرومات من أبسط حقوقهن الإنسانية والمهنية، كحقهن في الأجر والعطلة الأسبوعية والراحة والحماية الاجتماعية، كما أن عددا منهن يعملن بشكل سري، ولا يتم التصريح بهن، خوفا من المتابعة القانونية، إلا أنه يبدو أن تمة موضوع آخر، من قلب هذا الملف لم يلقى ما يستحق من ضوء، ألا وهو معاناة خادمات البيوت الأجنبيات.
وإذا كنا نستشعر مدى خطورة جلب عاملات البيوت من الخارج، دون التقيد بالقواعد التي يقرها قانون استقدام العمالة الأجنبية، لما ينطوي عليه من انتهاك لحقوقهن وضياعها، فإننا نطرح أكثر من سؤال حول جدية المغرب في تحسين صورته في مجال احترام حقوق الإنسان، بالنظر إلى واقع الحل ببلادنا، الذي وفر بيئة حاضنة لمثل هذه الانتهاكات، والتي يمكن إجمالها فيما يلي :
- وجود شبكة من السماسرة متخصصون في استغلال الظروف المعيشية التي تتخبط فيها نساء بعض الدول، من أجل التغرير بهن للعمل داخل بيوت أثرياء مغاربة.
- غياب مراقبة صارمة من قبل وزارة التشغيل،
- غياب الوازع الأخلاقي والضمير الإنساني لدى بعض المواطنين من فئة الأثرياء، الذين يفضلون استقدام خادمات من بلدان جنوب شرق آسيا كإندونيسيا والفلبين، بهدف الحفاظ على أسرار بيوتهم، أو بهدف استغلال إمكاناتهن اللغوية لتلقين أبنائهم، أو بهدف استغلالهن في أعمال شاقة او غير أخلاقية، دون أن يكون بمقدورهن كشف ممارسات مشغليهم،
- تعذر إنفاذ القوانين الزجرية في حق منتهكي حقوق خادمات البيوت الأجنبيات، بسبب غياب قوانين واضحة في الموضوع، وغياب قواعد المحاكمة العادلة في كثير من الحالات، أو بسبب بطئ مسطرة المتابعة القضائية والتعقيدات التي تواجه المتظلمات، مما يدفعهن إلى البحث عن مخارج مسرعة وودية، لا تؤمن لهن حقوقهن أو رد لاعتبارهن،
- عدم التفات الحكومة المغربية لصرخات المجتمع المدني، الذي ما فتئت العديد من مكوناته تدق ناقوس الخطر إزاء حالات انتهاكات حقوق الإنسان، وإزاء حالات بعينها، فلا تؤخذ القضايا المعروضة في وسائل الإعلام على محمل الجد،
و تبين أن أهم الانتهاكات في حق خادمات البيوت الأجنبيات تتمثل فيما يلي :
- تعريضهن لأعمال شاقة أكثر من طاقتهن، بما في ذلك إرغامهن على العمل لدى أقرباء مشغلهن،
- تعريضهن لسوء المعاملة وإهانة كرامتهن،
- تعريضهن للتحرش الجنسي وللاغتصاب في بعض الحالات، وكثيرا ما يتم التكتم عن مثل هذه الممارسات،
- حرمانهن من مستحقاتهن الشهرية، وتبلغ بعض الحالات ثمانية أشهر...
- حرمانهم من بطاقة الإقامة،
- حرمانهم من مستحقاتهن الاجتماعية كالضمان الاجتماعي والعطل الأسبوعية والسنوية...
أندونيسيات خادمات للبيوت
وحسب بعض المعطيات التي توصل بها المركز المغربي لحقوق الإنسان، فإن ما يقارب من مائتين مواطنة من الجنسية الإندونيسية تشتغل في المغرب كخادمات البيوت لدى أثرياء، حسب إحصائيات سفارة جمهورية إندونيسيا، كما أن هذه الأخيرة تتلقى معدل اتصال هاتفي واحدا كل يوم، للتبليغ عن سوء المعاملة أو الحرمان من المستحقات الشهرية، التي تتعرض إليه إحدى خادمات البيوت الإندونيسيات،
وقد وثقت ذات السفارة حوالي عشرين حالة خلال سنة 2012 تم التوسط بشأنها وتسوية الموضوع عن طريق حلول ودية، وإرجاع الخادمات المتضررات إلى وطنهم الأصلي، في حين ليست هناك معطيات بشان حالات أخرى، لم تلجأ إلى السفارة لمبرر أو لأخر،
وفي هذا الإطار، توصل المركز المغربي لحقوق الإنسان بنموذج لهذه المعاناة من سفارة جمهورية إندونيسيا، إنها أنيتا بنت سوكانجي، ذات السادسة والعشرين من العمر،
تحكي هذه المواطنة الإندونيسية بمرارة ما تعرضت له من تنكيل وتعذيب وحرمان من أبسط مقومات الحياة، من قبل عائلة مغربية ثرية بمدينة الدار البيضاء، قامت باستقدام الفتاة عن طريق وسيط، متخصص في جلب الخادمات الأجنبيات إلى بيوت الأثرياء في المغرب، حيث مكثت عند مشغلتها حوالي 6 شهرا، قضت خلالها أوقات عصيبة، بحيث مارست في حقها صنوفا من الممارسة السادية، وكثيرا ما كان يسمع صوتها من خارج المنزل، مما دفع بأحد الجيران إلى رفض مثل هذه الصرخات المثيرة للرحمة والشفقة، واستدعاء الشرطة القضائية للاستفسار عن صراخ المواطنة الإندونيسية،
وبالفعل، تأكدت المصالح الأمنية من إثبات حالة التعذيب في حق المواطنة الإندونيسية، كما كان الحال للطبيب الشرعي الذي عرضت عليه الفتاة، إلا أنه وبعد مرور حوالي عشرة أشهر من إبلاغ القضاء بمأساة المواطنة الإندونيسية، والتي قضتها داخل مقر سفارة جمهورية إندونيسيا، لا زال الملف لم يجد طريقه للمعالجة من قبل المحكمة الابتدائية الزجرية بالدار البيضاء.