أكد المشاركون في ورشة دولية حول "المجالس الوطنية للأمن في ضوء التجارب الدولية " انطلقت أشغالها اليوم الخميس بالرباط أن قرار إحداث مجلس أعلى للأمن بالمغرب هو تجسيد لمقاربة تجعل من الأمن حقا من حقوق الإنسان.

كما أكد المشاركون في هذه الورشة٬ التي ينظمها مركز دراسات حقوق الإنسان والديمقراطية اليوم وغدا الجمعة بتعاون مع مركز جنيف للمراقبة الديمقراطية على القوات المسلحة بمشاركة مجموعة من الخبراء الأجانب والمغاربة في المجال وممثلين عن الحكومة والمؤسسة التشريعية وفعاليات أكاديمية ومدنية وحقوقية٬ أن إحداث المجلس الأعلى للأمن يندرج ضمن مسلسل تنزيل الدستور الجديد الذي نص على إحداثه في فصله 54 .

وفي هذا السياق٬ قال أرنولد ليوتهود رئيس عمليات إفريقيا والشرق الأوسط بمركز جنيف للمراقبة الديمقراطية على القوات المسلحة٬ أن هذه الاستشارة الدولية تأتي بغرض الاستفادة من تجارب البلدان وخاصة الغربية التي سبقت إلى إحداث مثل هذه المؤسسات وأيضا من أجل تفادي الأخطاء التي تعذر إبانها على الخبراء والمسؤولين تفاديها في تجارب بلدانهم.

ويرى الخبير الدولي أن إضفاء طابع الاستشارة الدولية على هذه الندوة ليس اعتباطيا بل يسعى بالملموس إلى تغيير الممارسة انطلاقا من تجارب البلدان السباقة إلى إحداث مثل هذه المجالس بما يعود بالنفع على المغرب الذي يستعد لوضع مؤسسة جديدة للتنسيق في المجال الأمني٬ منبثقة عن إرادة سياسية عملت على مأسسة النقاش العمومي حول المسألة الأمنية٬ معربا عن قناعته بأن المغرب الذي أدرك الترابط القائم بين الديمقراطية وإصلاح نظام الأمن قادر على تأسيس تجربته الخاصة في هذا المجال.

وفي تدخل له حول موضوع "هل المجالس الوطنية للأمن مفيدة في الانتقال الديمقراطي " قدم كوستانتان يونيسكو عضو الهيئة المديرية لمعهد السياسة العمومية ووزير دفاع سابق ووزير داخلية سابق برومانيا لمحة تاريخية حول تأسيس هذه المجالس بعد الحرب العالمية الثانية والهدف المتوخى منها٬ والمتمثل في تنسيق وتنظيم القضايا الأمنية بالبلدان الأوروبية٬ مما ساهم في مراكمة نصوص قانونية في هذا المجال ووفر البنى اللازمة لنشاط هذه المؤسسات .

واعتبر أنه ومن أجل إنجاز هذه المجالس لمهامها يتعين أن تشارك كل الأطراف المعنية بالقضية الأمنية في البلاد بديمقراطية في هذه المجالس بالتعاون مع المؤسسة التشريعية بما يسمح بتوفير وتبادل المعلومات بين المسؤولين الأمنيين ونواب البرلمان .

ومن جانبه٬ اعتبر  عبد الله ساعف وزير سابق وعضو اللجنة التي كلفت بمراجعة الدستور في مداخلة له حول "المجلس الأعلى للأمن والحكامة الأمنية" أن طلب إعمال الحكامة في المجال الأمني ساهمت في بلورته مجموعة من المعطيات أهمها بعض التحولات التي طرأت داخل المجتمع المغربي٬ إلى جانب أدبيات هيئة الإنصاف والمصالحة التي تقدمت بتوصيات في هذا الباب٬ وكذا اهتمام الصحافة منذ بضع سنوات بملفات وقضايا أمنية٬ مبرزا أن هذا التوجه تنامى مع الوقت بارتباط مع الحكامة الداخلية وكذا وفقا لمقاربة حقوق الانسان.

وبعد ذلك تحدث  ساعف عن اختصاصات المجلس انطلاقا من نص الدستور مستحضرا جملة من الأحداث التي مر بها المغرب والمتصلة بقضايا الامن ومختلف المقاربات التي تم إعمالها في معالجة هذه القضايا٬ مذكرا أنه كانت هناك ٬على امتداد عدة سنوات٬ إصلاحات همت هذا القطاع وفقا لعدة مقاربات أهمها مقاربة حقوق الانسان .

وألقى  حسن طارق٬ برلماني٬ عرضا حول "قضايا الحكامة الأمنية والدستور الجديد " تطرق فيه للمادة الدستورية ( الفصل 54) بشكل مستفيض ٬ ليخلص إلى أن "هنالك اليوم تطبيعا لقضية الامن"٬ وأن التفكير في هذا الموضوع أصبحت "تطغى عليه المقاربة الحقوقية"٬ مسجلا بالمناسبة "ضعف النقاش السياسي في المسألة الامنية" بدليل الحضور القوي لموضوع الحكامة الامنية في مذكرات المنظمات الحقوقية وضعفها في مذكرات الأحزاب السياسية أثناء مراجعة الدستور والحيز الضعيف الذي أفرضه البرنامج الحكومي لقضايا الأمن.

وقدم ادريس بلماحي مستشار بمؤسسة الوسيط في مداخلة حول "المجلس الأعلى للامن٬ أية هيكلة ولماذا " لمحة عن أهم المؤسسات الامنية التي عرفها المغرب على امتداد تاريخه منذ الاستقلال والأدوار التي اطلعت بها٬ مصحوبة بالسياقات المختلفة التي كانت وراء إحداثها٬ وصولا إلى المجلس الاعلى للامن الذي نص عليه الدستور الجديد٬ معتبرا أن المأمول من هذا المجلس هو أن يدخل مفهوم الامن ضمن اهتمامات السياسات العمومية وانصهار جهود وإرادات مختلفة في إطار سياسة موحدة ومتكاملة لتدبير التحديات الامنية وتدبير الازمات وإصلاح القطاعات الامنية .

وقد أفرد في هذا المجال حيزا هاما من مداخلته للادوار التي ينتظر أن يطلع بها المجلس الاعلى للامن بالمغرب على ضوء التجارب الدولية في هذا المجال٬ مؤكدا في الختام أن مسألة الأمن قضية مجتمع بكامله وليست حصرا على المعنيين بالامن وأنه يتعين تعزيز التفكير في المجال الامني بالخبرات العلمية الجادة التي تقودها مراكز البحث والتفكير في العلوم الاجتماعية وكذا بالتجارب الدولية .

وعلى هامش هده الورشة الدولية٬ أكد  الحبيب بلكوش رئيس مركز دراسات حقوق الانسان والديمقراطية أن إحداث المجلس الأعلى للأمن يندرج في سياق مستجدات الورش الدستوري الذي هو تتويج لمسار وتأكيد على مقاربة تجعل من الامن حقا من حقوق الانسان ومن المقومات الضرورية للتمتع بالحريات نفسها .

وأوضح  بلكوش أن الغرض من هذه الورشة هو التداول حول مسألة تنزيل المجلس الاعلى للامن الذي نص عليه الفصل 54 من الدستور الجديد٬ الذي سيتولى أساسا تنسيق السياسات الامنية الداخلية والخارجية وكذا وضع معايير حكامة جيدة في القطاع الامني.

وذكر في هذا الصدد بأن تنظيم هذه الورشة الدولية يدخل في سياق انشغالات المركز منذ خمس سنوات بمسألة الحكامة الامنية٬ قناعة منه بأن إصلاح قطاع الامن يشكل مدخلا رئيسيا لتكريس الديمقراطية واحترام حقوق الانسان والنهوض به في المغرب٬ مبرزا أن إحداث هذا المجلس هو ثمرة للتحولات العميقة التي يشهدها المغرب في شتى المجالات وتفعيلا أيضا لمقتضيات هيئة الانصاف والمصالحة في ما يخص تطبيق الحكامة الامنية وتتويجا لمرافعات المجتمع المدني في هذا المجال وخاصة من خلال المذكرات التي رفعتها إبان التحضير لاصدار الدستور الجديد .

وأكد أن أهمية هذه الورشة تكمن أيضا في كونها تمثل فرصة للتداول حول المرتكزات الدستورية الجديدة لتنزيل هذه المؤسسة والوقوف على التحديات والاكراهات المطروحة في هذا المجال استنادا الى تجارب دولية سباقة في هذا الميدان.